قضايا

الشعبوية كما العدمية لا تخفض أسعارا ولا ترفع أجورا

عبد السلام المساوي

لا جدال في أن الحزب الذي قاد الحكومة لمدة عشر سنوات مضت، هو من أدخل إلى أذهان الفرقاء السياسيين المختلفين أن الشعبوية وترديد الكلام السهل الذي يدغدغ المشاعر ويروق الجموع هو أفضل الطرق للوصول الى أصوات الناس.

أمضى هذا الحزب زمنا طويلا من التهريج الفرجوي في البرلمان، وكان طيب الذكر بنكيران يرد على من يلومونه على " الحلقة " التي كان يقدمها أنه " يعرف كيف يخاطب الشعب "، وأن " الشعب كيبغي هاكا "، والنتيجة رأيناها وعشناها ...

الكل اقتنع بأن الطريق الموصل هو طريق التلويح بالكلام دون وزنه، دون ربطه بالواقع، دون مراعاة الإكراهات.

الكلام المرسل نجح مع العدالة والتنمية، ونجح مع أحزاب الثلاثي الحاكم.

هذه هي الخلاصة، وهي مفزعة فعلا لمن كان البلد يعني له أمرا أكبر وأجمل وأهم وأبقى من مجرد الفوز في الانتخابات.

لا يفهم جزء من النخبة أن الشعبوية أصبحت عملة سياسية رديئة لا يقبلها سوق التداول السياسي ولا تغري بالمتابعة ولا تحقق مكاسب ولا تخفض أسعارا ولا ترفع أجورا ولا تقلص بطالة ولا تحارب فسادا ولا تصلح خللا، بل تقود فقط الى الخراب السياسي والهروب من المشاركة في الشأن العام.

والدليل أن المغاربة عانوا من ويلات الشعبوية والشعبويين لقادة الحزب الحاكم طيلة العشر سنوات الماضية دون فائدة تذكر اللهم ما حققه أولئك الشعبويون من إصلاح لأحوالهم الشخصية . وهاهو الثلاثي المتغول ينهج نفس الأسلوب بعد أن سوق الأكاذيب والأوهام للشعب المغربي إبان الحملة الانتخابية للاستحقاقات الأخيرة، ولما هيمن على الحكومة تبخرت وعوده المعسولة أمام شعب سئم الكذب والشعبوية .

إن الحكومة، عندما انفردت بنفسها ضمن الأغلبية، وهما وجودان لا يبدو أنهما يعنيان نفس الشيء بالنسبة للثلاثي الحاكم، انفكت عقدة لسانها وأقسمت مجددا أنها تعرف محنة المواطنين مع الأسعار، والنقالة مع الوقود وأصحاب الخضر مع المازوت ...

ووجدت من الذكاء التواصلي أن تقوم بعملية تجميل كبيرة وعلى الهواء مباشرة، وعندما طرح السؤال قاسيا، لم تجد من بين أيديها سوى أن تخرج ورقة الأجوبة التي كانت تقدمها الحكومة السابقة كلما طرح موضوع الأسعار، سعيا منها لعملية تجميل صعبة وإلزامية.

والحقيقة القاسية أن الشعبوية أضحت موضة العصر ومن الأمراض التي تفتك بجزء من نخبتنا الحزبية، حتى أصبح العمل السياسي مع مرور الزمن من اختصاص فئة قليلة من المنبريين، أي زعماء بعض الأحزاب الذين يحترفون إطلاق الكلام على العواهن أمام المنابر الإعلامية والسياسية وبيع الوهم للشعب، ومنهم من يقول الشيء ونقيضه ويتناقض مع نفسه من لحظة الى أخرى ....

والنتيجة ان الشعبوية كما العدمية، كلتاهما تمثل عجزا عن إنتاج بديل سياسي واقعي بأرقام واضحة وأجندة زمنية محددة، وتعكس سياسة الهروب إلى الأمام في وجه تقديم أجوبة للطلب المجتمعي، فيأخذ الحل شكل اللجوء الى خطابات غارقة في التزييف من دون بدائل حقيقية للمجتمع والدولة .

المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس إلى بوليميك فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال، لقد سئم الراي العام من مسرحيات بيع الأوهام. والرأي العام يسجل ويتابع من من الزعماء يتقن فن الشعبوية والوقوع في التناقضات، ومن منهم ينتج خطابا سياسيا متماسكا معبر عن مشروع مجتمعي ..

المغاربة محتاجون لأجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد، وليس الى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكنه لا يغير أحوالهم نحو الأفضل.

لقد كان استحقاق 8 شتنبر محطة مفصلية لإنتاج مشهد سياسي جديد تنتج عنه قطيعة سياسية وتدبيرية مع الولايتين السابقتين اللتين كلفتا البلد فاتورة ثقيلة، وكانت فرصة لتناوب ديموقراطي جديد، إلا أن تغول الثلاثي أجهض الأمل وخيب أحلام الناخبين والناخبات الذين صوتوا بكثافة.

مهمة استعادة المواطنين من أحضان الشعبوية والاغتراب السياسي والعزوف والكيانات المسمومة تبقى هي السبيل الوحيد والأوحد لإضفاء المعنى السياسي على الممارسة السياسية ...وهي مهمة منوطة بالأحزاب الحقيقية، الأصيلة المتأصلة، بمشروعها المجتمعي الديموقراطي الحداثي، وبشرعياتها التاريخية والمستقبلية ...

لقد مللنا من الأحزاب والمرشحين الذين يقولون شيئا ما في أثناء مسار العملية الانتخابية، ثم يفعلون شيئا اخر عندما يتولون مناصبهم كما حدث مع البيجيدي ويحدث مع الثلاثي المتغول الذي أطلق في زمن الحملة الانتخابية وعودا وهمية محاطة بسياج من الأكاذيب.

يقول الأستاذ إدريس لشكر في افتتاح المؤتمر الرابع للاتحاد الاشتراكي لقلعة السراغنة "اختار التغول أن يموقعنا في المعارضة، لذلك فمن خلال فريقنا البرلماني ، سواء في مجلس النواب أو مجلس المستشارين، نقوم بدورنا في المعارضة دفاعا عن المواطنات والمواطنين، وفي بعض الأحيان يدفعنا الحس الوطني والمسؤولية، وفوق هذا وذاك التوجيهات الملكية واستراتيجيات الملك لإنقاذ هذا الوطن وتقدمه، يدفعنا كل هذا ألا نكون عدميين ، وألا نؤدي دور المعارضة الشعبوية، واختبرنا أن تكون معارضتنا معارضة مسؤولة ، خاصة وأن الذين تحملوا المسؤولية الحكومية لما جاؤوا ببرنامجهم الحكومي ، كان كما لو أنه برنامج للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية والتنمية ، فاخترنا أن نكون معارضة مسؤولة ناصحة منبهة ، لكن مع كامل الأسف نلاحظ يوما بعد يوم أنه حتى أدوار المؤسسات بدأت تتقلص مع هذا التغول ."