رأي

عمر الطيبي: الصحراء الشرقية المغربية المحتلة ودم الشهداء!

لا شك أن عودة الحديث بقوة عن مغربية الصحراء الشرقية المحتلة قد أربكت حسابات نظام العسكر وبددت أوهام إتباعه وتهيؤاتهم بأن القضية قد طواها النسيان.

في مواجهة الحجج الدامغة التي يدفع بها المغاربة مستندين في ذلك على ثروة ضخمة من الوثائق التاريخية وكنز ثمين من الأرشيف الوطني والأجنبي الدال بقوة على مغربية هذه الأراضي، لم تجد أبواق نظام العسكر ما تدفع به لتبرير احتلالها للصحراء الشرقية سوى العودة لترديد ذلك الشعار الأجوف والمخادع حول ضرورة “احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار”.

لست ادري ما إذا كان نظام العسكر يدرك أن تمترسه خلف هذا الشعار يعتبر في حد ذاته، اعترافا وإقرارا ضمنيا منه بان هذه الصحراء هي تاريخيا ارض مغربية أم لا، لكن، وسواء أدرك ذلك أم لم يدركه، فانه مصر في هذه الأحوال جميعها على التنكر والتهرب من أداء واجب أخلاقي وقانوني وتاريخي برد الأرض المحتلة لجاره وشقيقه المغربي الذي لا ذنب له في هذه القضية كلها سوى انه ساند الشعب الجزائري في كفاحه المسلح وتحمل معه اكلاف حرب التحرير المادية والبشرية، كما تحمل مع أبناء الشعب الشقيق أعباء احتلال استعماري شنيع دام أزيد من قرن و30 سنة.

لقد دأب نظام الكابرانات في هذا الإطار، ومن اجل خداع الجزائريين، على التباهي والتغني بتملكه ل_”بلد قارة” مساحته مليونين و382 كلم مربع، لكن وبطبيعة الحال، من دون أن يصارحهم بان الجزء الأكبر من هذا “البلد القارة” هو عبارة عن اراضي مسروقة من المغرب بالدرجة الاولى، وأيضا من تونس وليبيا وشعوب الطوارق والازواد والصحراء الكبرى بدرجات متفاوتة، بل بلغت الوقاحة بالطغمة العسكرية أن اعتبرت احتفاظها بالأراضي المسروقة من المغرب “تعويضا من فرنسا للجزائر عن احتلالها للبلاد”!!

لم يختلف رد فعل رسميي نظام العسكر على تصريحات السيدة بهيجة سيمو مديرة الوثائق الملكية، بخصوص مغربية الصحراء الشرقية، عن ردود أفعال الغوغاء والذباب الاكتروني وإعلام الكانيفو الجزائري في شيء، وأفضل مثال على ذلك تصريحات ابراهيم بو غالي رئيس المجلس الوطني الشعبي، اذ وبدل مقارعة الحجة بالحجة والوثيقة بالوثيقة، فضل المرور مباشرة، وبدون ادنى تحفظ للتهديد والتشديد على جاهزية جيش الكابرانات الذي وصفه بانه “سليل جيش التحرير الوطني” للتصدي لما وصفه ب “أطماع نظام المخزن التوسعية”، مشيرا كما العادة في مثل هذه الحالات إلى أن “ارض الجزائر مسيجة بدماء الشهداء” !!.

قد نتفق مع بو غالي بان ارض الصحراء الشرقية تحديدا مسيجة بدماء الشهداء بل والكثير من الشهداء، لكن وجب التوضيح والحالة هذه بان هذه الدماء كانت دماء الشهداء المغاربة من أهل القصور والواحات والقبائل، ومعهم موظفو جهاز المخزن المغربي، الذين قاوموا جيش الاستعمار الفرنسي، مدعوما بفيالق المجندين الجزائريين، مقاومة شديدة ومديدة تجاوزت الخمسين سنة وليس غيرهم، وانظر في هذا الصدد ما يقوله المؤرخ الفرنسي برنار لوغان.

وإذ لجأ من يسمى تجاوزا بالرجل الثالث في نظام العسكر لتزوير هوية دم شهداء الصحراء الشرقية المغربية على طريقة “ويل للمصلين”، فانه لجأ الى الكذب الصراح عندما وصف جيش الكابرانات بكونه ” سليل جيش التحرير”، بينما هو ليس في الحقيقة سوى سليل جيش “الزواف” و”الصبايحية” و”السبايس” و”المهاريست” و les” “tirayeurs algériens .. واخيرا “كابرانات فرنسا” الذين جندهم الجيش الفرنسي وسخرهم تباعا وعلى التوالي منذ احتلاله لجزائر بني مزغنة سنة 1830 وحتى يوم الناس هذا لخدمة اهدافه الاستعمارية.

لقد سخر الجيش الفرنسي مختلف فيالق المجندين الجزائريين، ومهما تعددت أسماؤهم وتنوعت صفاتهم، ليس لاحتلال الصحراء الشرقية المغربية وحدها، بل أيضا في استعمار العمق المغربي وبقية الأراضي المغربية حتى المحيط الأطلسي، وأيضا احتلال أراضي تونس والفزان الليبية والصحراء الكبرى وكذلك عدد من البلدان الافريقية والاسيوية، حيث زرعت الرعب والقتل والدمار ونهبت خيرات هذه البلدان ودمرت عمرانها، وقد كانت أخر خدمة أسداها هذا الجيش “السليل” للمتروبول الاستعماري تلك المجازر التي ارتكبها الكابرانات في حق الشعب الجزائري خلال العشرية السوداء والتي ذهب ضحيتها ازيد من 250 الف من الجزائريين واختفى بفعلها ازيد من 25 الف من المفقودين، وقد كان الهدف من ذلك كله هو منع الشعب الجزائري من تقرير مصيره بنفسه وإقامة نظامه المدني الديمقراطي المستقل حقيقة لا زورا.

فلا عجب إذن ان كشفت مجازر العشرية السوداء والأحداث التي عرفتها المنطقة والعالم لاحقا، أن الأمر يتعلق بنظام وظيفي غرسه الاستعمار الفرنسي في موقع القلب من المنطقة المغاربية قبل انسحابه الشكلي منها، وأوكل اليه صيانة ارثه الاستعماري فيها بما يعنيه ذلك من تكريس تبعية البلدان المغاربية له، وتأبيد لاسباب التخلف والفقر فيها، وتأجيج عوامل الصراع والتفرقة بين شعوبها، وقد نجحت الطغمة العسكرية حتى الآن في أداء هذا الدور الوظيفي على أكمل وجه وأخبث طريقة.

أما وقد أنفضح الدور الوظيفي للطغمة العسكرية المتحكمة في الجزائر بفعل هزيمة مشروعها الانفصالي في الصحراء الغربية المغربية، وأيضا بفعل زعزعة أركانها من طرف الحراك الشعبي السلمي، فانه من الطبيعي ان لا تجد في جعبتها اليوم ما ترد به على إثارة المغرب لموضوع صحراءه الشرقية المحتلة سوى عبارات التهديد والوعيد الفارغة !!.