وتروم هذه الندوة، التي تنظمها أكاديمية المملكة المغربية ما بين 29 نونبر الجاري وفاتح دجنبر المقبل، إتاحة الفرصة للعديد من الباحثين والأساتذة المرموقين لإعادة قراءة بعض جوانب الثقافة الأندلسية بكل مكوناتها الدينية والاجتماعية والعمرانية والسياسية والأنثروبولوجية والأدبية واللغوية في امتداداتها وتداعياتها.
وسلط المشاركون في الجلسة الافتتاحية التي ترأسها إدريس الضحاك، عضو أكاديمية المملكة المغربية، الضوء على التعايش التي اتسمت به الحقبة الأندلسية، في شتى المناحي الدينية والاجتماعية والثقافية واللغوية والفنية.
وفي كلمة بالمناسبة، أبرز أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، عبد الجليل لحجمري، أن هذه الندوة، التي تأتي في سياق ما يعرفه العالم المعاصر من تحولات تمس العديد من القيم ذات الصلة بالتعايش والحوار بين الثقافات، “لا تجمعنا اليوم من أجل استدعاء الماضي، بل من أجل استشراف المستقبل”.
ومن هنا، يضيف لحجمري، يعتبر التعايش، في سياق هذا اللقاء العلمي، “نظرية أكاديمية تختص بتحليل حقبة من تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية وحضور المسلمين فيها منذ أوائل القرن الثامن وصُعدا، وفهم أساليب التعايش والعيش المشترك التي كانت سائدة بين المسلمين والمسيحيين واليهود في الممالك الأندلسية”.
وذكر، في هذا السياق، بالرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس للمشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي احتضنته مدينة فاس يومي 22 و23 نونبر الماضي، والتي قال فيها جلالته: “في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ البشرية، والتي ننكب فيها على التصدي للتغيرات المناخية، ومحاربة الإرهاب، ونبذل قصارى الجهود من أجل تحقيق التنمية المستدامة والأمن المائي والطاقي والغذائي، ومن أجل التنمية بصفة عامة، ينبغي لنا أن نعود إلى ما هو جوهري وأساسي في هذا الشأن، ألا وهو العيش المشترك”.
وتابع بالقول “قليلة هي مجتمعات القرون الوسطى التي عرفت تعددية في الفكر والمعتقد والمجتمع مثل تلك التي عرفتها الأندلس، وشملت المناحي الدينية والاجتماعية والثقافية واللغوية والفنية”، موضحا أن “المجتمع الأندلسي كان مشكلا من الديانات الثلاث، ومن إثنيات وأعراق مختلفة (…) ولم يكن هناك من خيار لتحقيق الاندماج الاجتماعي من قبول الآخر والتعايش معه”.
وخلص لحجمري إلى القول إن “التعايش بين أهل الديانات في الأندلس سمح بانتشار حوار الأديان باعتباره خيارا كانت الأندلس مؤسِّسة له”.
من جهته، أكد سفير إسبانيا بالمغرب، ريكاردو دييز هوشلايتنر رودريغيث، أنه لا يمكن فهم “تاريخ وهوية المغرب وإسبانيا دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخنا المشترك”، معتبرا أن “الإرث المشترك يعد عماد العلاقات المغربية-الإسبانية”.
وأبرز أن العلاقات بين الرباط ومدريد تشهد “انطلاقة جديدة استثنائية”، مشددا على أن البلدين مدعوان، أكثر من أي وقت مضى، إلى الاضطلاع بدور “منارتين” في المنطقة المتوسطية لتعزيز قيم التعايش والتفاهم.
وبخصوص أهمية تنظيم هذه الندوة الدولية، أبرز هوشلايتنر رودريغيث أنها تشكل مناسبة “لتقريبنا مما كانت عليه الأندلس من فضاء حقيقي للحوار والتعايش، من خلال دراسة قضايا متعددة من قبيل الأدب واللغة والفن والفكر والمجتمع”.
وفي مداخلة خلال المحاضرة الافتتاحية، اعتبرت الأستاذة الفخرية في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة كومبلوتينسي بمدريد، ماريا خيسوس فيغيرا مولينس، أن “الأندلس شكلت فضاء جغرافيا بهوية خاصة امتزجت فيه الأديان الثلاثة والأعراق والثقافات وتعايشت فيه جنبا إلى جنب”.
وشددت الباحثة الإسبانية، في هذه المحاضرة التي نظمت حول موضوع “هوية الأندلس.. مسلسلات التقارب”، على ضرورة تقاسم المعارف وتكثيف التعاون في حقل الدراسات الأندلسية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة الدولية تشكل فرصة لإطلاق كرسي الأندلس الجمعة، بمشاركة نخبة من كبار العلماء المتخصصين والأساتذة الجامعيين الذين سيتداولون برامج ومشاريع الكرسي في سياق شراكات مع مؤسسات اسبانية رفيعة المستوى.