قضايا

تحية للمقيمين على محاربة الفساد في بلادنا

عمر محمود بنجلون/ محامي بهيئة الرباط ومرسيليا

 

في 15 سنة من الممارسة المهنية لم أتقدم بشكاية واحدة ضد أحد، محامي أو قاضي أو وكيل ملك أو كاتب ضبط أو موظف أو مفوض أو خبير أو شرطي أو دركي أو "قايد" أو "قوي مساعد" ... أثناء مزاولة مهامي كمحامي ممارس أو عضو مجلس هيئة المحامين أو مرشح للانتخابات التشريعية أو الجماعية أو مسؤول حزبي أو سائق سيارة أو مواطن مغربي ذو حقوق و احتياج، رغم تعرضي كما كل المغاربة للشطط و الابتزاز و الإهانة و التهديد و أحيانا محاولة الإسقاط في كمين المساطر للإسكات عن قول الحق.

أكيد أن هذا السلوك المٌطَبِع مع بنية إدارية وريثة لـ "مغربة الاستعمار" لا يخدم وهم "التدرج" و "المسلسل الديموقراطي" و "التناوب التوافقي" و "استراتيجية النضال الديموقراطي" و المكونات الأخرى لهذا المعجم السياسي صنيع نخبة ما بعد الاستقلال التي انتقلت من حقل الثقافة إلى ضيق الخبرة اللفضية ... لكنه انتصر لفكرة الإصلاح الشامل المتمثل في محاولة فك التناقضات الجوهرية بدل التيه في تفاصيل تحكمية صغيرة و يومية اعتبرنا أنفسنا أرفع منها.

ما هي منابع هذا الترفع الخاطئ ؟

... حوارنا مع الشرطي أو الدركي اثناء المخالفة يسألنا عن المحاماة فنجيبه بنبل رسالته كذلك، فيخاطر بمنصبه و يرد لنا أوراق السيارة و تحية عسكرية

... الاستماع خلسة إلى عنصر القواة المساعدة و هو يعلق على ما يسمعه من شعارات المتظاهرين في شوارع العاصمة

... حب القايدة حورية للمواطنين أثناء جائحة كورونا

... كاتب ضبط يذكر بإنتمائه لمؤسسة مستقلة لا تمتثل لإملاء أحد

... وكيل ملك يلتمس البراءة

... محامي يتطوع للدفاع عن معارض منبوذ أو فقير مهمش

... قاضي عادل ينتصر لنبض المجتمع و روح القانون لا لتطبيقه الضيق

و الأمثلة كثيرة تجعلنا نترفع على التضييق الممنهج ... لعل أذكى ملامحه موجود بمحكمة الرباط، بتخصيص مصعدين على ثلاث للمسؤولين القضائيين اللذين لا يغادروا مكاتبهم و ترك مصعد واحد لعشرات و مئات المحامين و المهنيين و المواطنين المترددين يوميا على هذا المرفق الحيوي.

من بين النماذج التي توحي بالتفاؤل و آمال استرجاع الثقة في المؤسسات، نموذج الرئيس عبد الرزاق الجباري رئيس نادي القضاة، القاضي النزيه بدائرة القنيطرة، الذي يغني النقاش الفقهي و القانوني بفكر و تجربة و جرأة و أخلاق قل نظيرها،  مساهما و بشكل كبير في التعاقد الاجتماعي الخاص بالعدالة تنزيلا للمبادئ الدستورية لفصل السلط و تعاونها كما المقاربة التشاركية في صنع القرار.

هذا القاضي استدعي للتفتيش.

من المؤكد ان لمن يهمهم الأمر صلاحية استدعاء الاستاذ الجباري للاستفسار في شيء من حتى، لكن ورش اصلاح العدالة يبتدئ من مصادر الظلم و الفساد المُفَجِّر للحقد الطبقي و العنف السياسي داخل المجتمع، لا بإطفاء شموع الأمل الاتية من جيل جديد من القضاة الشرفاء.

لم نخش  يوما تمرين النقد الذاتي لا سيما و أن المحامين منذ الاستقلال كانوا في طليعة الدفاع عن قوة و استقلالية القضاء، لأقول هنا على أن ترفعنا و عدد من الفاعلين عن الصغائر كان سببا إضافيا في تفرغ المؤسسات لمساءلة الفكر و التعبير الرصين و المفيد للوطن واستقراره.

فمن هذا الاستنتاج سنقيم القطيعة مع الترفع عن التفاصيل المضرة، اعتبرنا مخطئين انه سلوك إيجابي و اذا به فهو مسيء لنا جميعا، لتبني رصد الانزلاقات و تفعيل آليات المتابعة لكل التمظهرات الادارية و القضائية و السياسية و المهنية الشادة.

لنعطي للتفتيش معنى ...

تحية للمقيمين على محاربة الفساد في بلادنا خاصة في المرحلة الأخيرة و كل التضامن مع القاضي النزيه الرئيس عبد الرزاق الجباري رئيس نادي القضاة.