ل"الماحيا" عشاقها و قتلاها، هذا المُسْكر، الذي يلاقي رواجا، قبل أن تنشر فرنسا، في بداية القرن، ضيعات الكُروم ( العنب) لإنتاج الخمور، في مناطق مشهورة، لا تزال تساهم في الإنتاج الوطني إلى اليوم.
و رغم الخمر، و بعده الجعة، فإن " الماحيا"، التي يتفنن في تقطيرها اليوم المغاربة لم تنقطع، و كأن فيها ليس مجرد نشوة غابرة، و لكن شفاء للناس...
و لا أظن أن الإقبال على " الماحيا" يرتبط بالزيادات المتوالية في سعر " البيره" و " الشراب"، لأن عشاقها لن يرضوا حتى بالويسكي عليها بديلا.
لكن المشكل يكمن في غلاء سعر التين، فأصبحنا، و الحمد لله نستورد " الشريحة" من تركيا، التي تُعرض في الأسواق الكبرى بسعر لا يقل عن 100 درهم للكيلوغرام الواحد، أما إنتاجنا الوطني فقد تراجع كثيرا، بعد أن جفت أغلب الشعاب و الوديان، كانت أشجار التين تنبث على ضفافها، وهو ما جعل سعر " الباكور" يصل هذه الأيام في العاصمة إلى 45 درهما.
و مع ارتفاع سعر المادة الأولية، المُعتمدة في تقطير " الماحيا" من تين و ثمر، طال الغش " صناعتها"، باستعمال مواد كيماوية بديلة لتلبية الطلب، الذي تزايد بفعل الجفاف و الفقر و البطالة، و لعل أرقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي جد دالة، فبيننا 1،5 مليون شاب ( ما بين 13 و 25 سنة) لا يتابعون دراسة، و لا يتلقون تكوينا، و لا يعملون، و معدل البطالة تفاقم إلى حوالي 14 في المائة.
و لا شك أن هؤلاء جميعا بحاجة إلى رابعة تاع الماحيا في كل ليلة، لملأ الفراغ، و التسامر في أحاديث تكون، في غالب الأحيان، تافهة، و ليس لديهم أي حرص على التذوق قبل الشرب، و ربما لم يعد لديهم ذوق في اللسان و لا في الوجدان، المهم في احتساء " الماحيا"، حتى لو كانت ممزوجة بمواد سامة، يلجأ لها تجار الغفلة من أجل توفير حاجيات " السوق" من المشروب.
ليس في الأمر سوء نية أو قصد إجرامي، فقد أصبح الغش حالة يومية، تطال حتى قطاع غيار السيارات، رغم ما يشكله ذلك من خطر على السلامة الطرقية.
و ليست هذه المرة الأولى التي يموت فيها مواطنون على هذا النحو، و ليست هذه المرة الأولى التي تتجمهر فيها الأمهات و الزوجات و الأخوات و البنات و الأبناء و الأباء و الأجداد للبكاء أمام مستشفى، ينُحن و يلطمن الخدود و يشقنن الجيوب، ألما و حسرة، مع ما تثيره تلك المشاهد من شفقة و رحمة.
لكن في النهاية، لن يغير ذلك من الواقع في شيء، و قد لخص المغاربة ذلك في عبارة:" البكا ورا الميت خسارة".