موقع متميز. إن الدعوى العرقية القائمة على الهجوم بذريعة الدفاع لا تختلف في جوهرها عن التطرف الديني الذي باسم الإسلام يمارس التكفير.
إن مثل هذه الدعوات معزولة عن الواقع، وهي حبيسة الواقع الافتراضي. أما الواقع الحقيقي عندما تخرج إليه فستجد مشاكل سكان القرى الأمازيغية وغيرها من المناطق المغربية لا علاقة لها بتمزيغ التاريخ والجغرافيا، والجينات.
إن من دمره الزلزال في حاجة إلى سكن، ومن هُدِّم محله في دور الصفيح لإزالتها ينتظر التعجيل بتسلُّم بيت. وقس على ذلك كل الحاجات الحيوية والضرورية لحياة المواطن المغربي من الخبز إلى الأسعار، ومن الصحة والتعليم إلى البطالة والهجرة، واللائحة طويلة.
لا تختلف الأمازيغوية عن اليسراوية. حلم القوميون بوطن عربي موحد لمواجهة الإمبريالية والصهيونية، لأن الاستعمار مزق الوطن العربي، واستغل خيراته، وعمل كل ما في وسعه لإبقاء التفرقة، وإدامة التخلف. وحلم اليسار العربي الجديد بوحدة الشعوب العربية، والديمقراطية لأن الدول التي ادعت الوحدة تحولت إلى ديكتاتوريات تقمع شعوبها، وكان الهدف بناء دولة موحدة في مواجهة التكتلات الكبرى.
لو أن هؤلاء الأمازيغاويين انتقدوا الواقع السياسي العربي الحديث، وقدموا رؤية جديدة لبناء مجتمع جديد له موقع في العالم، لانخرط معهم الجميع في ذلك، لكنهم ظلوا يهاجمون «القومية» العربية، وأضافوا إلى ذلك الإسلام. فبماذا استبدلوهما؟ بعرقية تدعي الصفاء الإثني، وبأديان وثنية لما قبل التاريخ. ما الفرق بين القومية والعرقية؟ أليست القومية أرقى تاريخيا ومعرفيا. وكل الدول الحديثة وحدت القومية كل أعراقها، وجمعتها لغة كتابية واحدة تتعدى كل اللغات واللهجات التي ما تزال قائمة فيها، أليست الأممية المنفتحة أرقى من العشائرية الضيقة؟ ما الفرق بين اليمين المتطرف في الغرب، والنزعات العرقية في الوطن العربي؟
متى كانت العرقية مطروحة في التاريخ المغربي؟ ولماذا لم تطرح أبدا رغم ادعاءات «الثورات» البربرية التي لم تكن تختلف عن «الثورات» التي كانت تقوم بها القبائل الأعرابية ضد الدول المتعاقبة تاريخيا؟ كانت الصراعات تارة بين كل القبائل بغض النظر عن لغاتها، وكانت التوافقات الوحدوية طورا، لمواجهة العدو الخارجي.
تاريخ المغرب الحقيقي تحقق مع الفتح الإسلامي الذي صنع جغرافيته التي شاركت فيها ساكنته بصدق وإيمان. إن المقارنة بين العربية والأمازيغيات وهم كبير. المقارنة السليمة بين اللغات، بالدوارج العربية، واللغات الأمازيغية المختلفة، أما اللغة الكتابية فهي ملك للجميع لمن درسها وتراثَها، ومن لم يدرسها لا يعرفها سواء كان عربيا أو أمازيغيا.
ينتظر المواطن المغربي من الله أمطار الرحمة، ومن الدولة توفير سبل العيش الكريم، ولا تهمه معرفة جيناته لأنه مهموم بحياته اليومية حاليا، ومستقبل أبنائه غدا. من اليسراوية إلى الأمازيغوية مرورا بالإسلاموية: هل هي أزمة وعي ديمقراطي؟ أم هيمنة وعي متأخر؟