فن وإعلام

الثورة المعلوماتية والحاجة إلى التربية الإعلامية (4)

عبد العزيز المنتاج
ه ـ الترفيه وألعاب الفيديو

من الآثار السلبية للترفيه وألعاب الفيديو وخاصة على الأطفال، ضياع الوقت وبعض الآثار الصحية وقلة الحركة وإجهاد العينين، والعزلة عن المجتمع والحياة الحقيقية وإدمان الوسائل التقنية والأمراض العصبية، وكذلك بعض الأمراض السلوكية كالعنف والعدوانية، لهذا يجب تكثيف رقابة الأسرة على هذه الأنواع من الألعاب واختيار الايجابي منها، مع تحديد الوقت وتنظيم ممارستها.

كما تسمح التربية الإعلامية بمنح الأطفال معلومات عن مخاطر إدمان الألعاب، وتأثيرها على النمو الجسدي والنفسي والعقلي والعاطفي عند الأطفال، وإمكانية تغييرها لسلوكياتهم ودفعهم نحو ارتكاب تصرفات عنيفة اتجاه أنفسهم أو اتجاه الآخرين، مثل ما حدث مع لعبة فري فاير ولعبة الحوت الأزرق اللتين تسببتا للكثير من الأطفال في أمراض حس حركية وسلوكية أدت ببعضهم إلى الانتحار.

5 ـ 5 ـ المواقع ومحركات البحث

تعتبر مواقع ومحركات البحث أداة هامة للتعلم والقراءة وإجراء البحوث، والاطلاع على المعلومات والأفكار والمعارف، غير أن استعمالها بحرية قد يؤدي إلى منزلقات خطيرة على الأطفال والشباب، الذين قد يجدون منفذاً للمواقع الإباحية، أو المواقع الخطيرة كمواقع الإجرام والقتل وعالم السحر والشعوذة وعبدة الشياطين وأنصار الحرية الجنسية والمثلية، أو مواقع الاستقطاب الديني كالتبشير أو التطرف أو إتباع ديانات أخرى وطقوس غريبة، لهذا يجب تكثيف الرقابة على الأطفال والشباب وعدم منحهم الحرية التامة سواء أثناء التصفح أو بعده، مع مراجعة هواتفهم وحواسبهم والاطلاع على أرشيف استعمالاتهم، وتشجيعهم على إخبار آبائهم أو أساتذتهم بما شاهدوه، ومناقشتهم حول ما اطلعوا عليه لفهم جوانبه وخطورته عوض الإبقاء على ذلك سرا، ما يزيد من خطورته عليهم.

وتتجلى أهمية التربية الإعلامية في هذا الباب بإعطاء الأطفال والشباب معلومات مسبقة حول هذه المخاطر، لإعدادهم لمواجهتها، وتحصينهم ضدها، وتعزيز قدراتهم الشخصية والذاتية للتعامل مع ما يعترضهم من مثل هذه المواقف. لأن تقوية الرقابة الذاتية أنجع من الرقابة الخارجية، خاصة أن الأطفال والشباب، ونظرا لنزوعهم الثوري والمتحدي يميلون للممنوع، لهذا يجب أن يكونوا أكثر اقتناعا بالابتعاد عن هذه المواقع عوض ابتعادهم عنها خوفا ممن يراقبهم.

خاتمـــــــــــــــة: يقول بيير ليفي "إن التطور الذي حصل في العشر سنوات الأخيرة لم يسبق أن عرفه أي نظام تواصلي في تاريخ الإنسانية، فبعد اختراع المطبعة تطلب الأمر قرنا من الزمن ليتغير المشهد الثقافي الأوربي، وهو ما تطلب في عصرنا الحالي أقل من عشر سنوات فقط، فإذا كانت هذه الثورة حسب بيير ليفي تحمل وعدا بتحقيق تطور إنساني وتغير ثقافي غير مسبوقين، فإن ذلك مشروط بحسن تلقيها واستقبالها والتعامل معها، وتجنب ما تشكله من مخاطر على الأفراد والمجتمعات، وهو ما تنبهت إليه المنظمات الإنسانية وعلى رأسها اليونسكو التي دعت إلى عدم حرمان أحد من إيجابيات ثورة المعلومات، وذلك بالتركيز على التربية الإعلامية وضرورة اعتمادها في البرامج الدراسية ليتسنى لهذه الثورة أن تحقق أهدافها الإيجابية المتمثلة في تحقيق التنمية، والتأسيس لمبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، لأن التفاوت في الغنى بالمعلومات أخطر من التفاوت في الثروة والوضع الاقتصادي كما يقول روبرت دال (R.dahl)، لأن الثقافة والمعلومات أصبحتا اليوم أكثر أهمية من الاقتصاد في قيادة التغير الاجتماعي.

5 ـ 4 ـ الإعلام الجديد أو الرقمي

ما يزيد من خطورة الإعلام الجديد أنه أكثر تخلصا من الرقابة التي تفرضها الدول على وسائل الإعلام، وأكثر تحرراً من المسؤولية المؤسساتية، إذ يصعب على المتلقي معرفة معلومات مفيدة عن صاحب الوسيلة الإعلامية ومالكها، سواء كانت موقعا الكترونيا أو إذاعة أو قناة رقمية أو صفحة شخصية، وخاصة في ظل الانتشار الكبير واللانهائي لهذه الأنواع الإعلامية التي أصبحت تغرق المتلقي في بحر لا نهائي من الأخبار والمعلومات، علما أن عدم معرفة صاحب الوسيلة يجعل من الصعب معرفة توجهها وخطها التحريري وغايتها.

وما يزيد من هذه الصعوبة أن الكثير من هذه الوسائل الإعلامية تعتمد أسماء وهويات مستعارة، وتقدم معلومات وأخبار بعيداً عن أخلاقيات المهنة ولأهداف وغايات غير نبيلة أحيانا، محتكمة فقط للنية السيئة والإساءة ورفع نسب المشاهدة، وأنها تقتحم على المتلقي عالمه الخاص، وبشكل هجومي ولا إرادي.

أمام هذا الوضع الخطير يبقى على التربية الإعلامية ولمواجهة هذه الخطورة، التركيز على آليات واستراتيجيات أخرى، كالتركيز على تحليل المحتوى الإعلامي، بناء على الصور واللغة المستعملة والمنطق الذي يحكم الرسالة الإعلامية، وبالتالي مواجهتها بعقل ناقد مشكك، والبحث في خلفيات الرسالة الإعلامية وصورها ومعانيها، مما يؤكد صحتها أو يضعها في خانة التضليل ونشر الإشاعة و الكراهية وتهديد السلم والأمن الاجتماعيين، بمعنى استعمال كل الأساليب الممكنة للتحقق من الرسالة ومحتواها وغاياتها وأهدافها قبل أخذ موقف أو حكم منها .

انتهى