رأي

جمعة اللامي المغربي (3)

عبد الرحيم التوراني

في أكتوبر 2015، تعرض الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي لاعتداء في بيته بالهرهورة (ضواحي الرباط)، من طرف مجهول انهال عليه بالضرب مع زوجته الكاتبة جوسلين اللعبي.

في هذا الاعتداء الشنيع أصيب اللعبي بجرح على مستوى العنق، اضطره إلى إجراء عملية جراحية بأحد مستشفيات الرباط. فيما تعرضت زوجته لعنف أسفر عن إصابتها بكدمات على مستوى الوجه وفقدانها أسنانها الأمامية.

 

كنت نشرت الخبر على صفحتي، فتواصل معي جمعة اللامي وهو في حالة من الغضب والقلق الشديد. كان يخشى أن يكون الحادث الإجرامي عملا ذا خلفية انتقامية بوليسية، لكني طمأنته أن مصادر موثوقة ترجح أن يكون الجاني من اللصوص..

*

لجمعة اللامي علاقة وطيدة مع عبد اللطيف اللعبي، تعود لأعوام خلت. في رحلته إلى المغرب عام 1984، فتش صاحب "التراجيديا العراقية" عن هاتف اللعبي الذي كان يسكن حينها في الرباط، ومن مكان إقامته في فندق "رياض السلام" بشاطيء عين الدياب في الدار البيضاء، فاجأ اللامي صاحبه المغربي مؤسس مجلة "انفاس"، فهما لم يلتقيا منذ أربع عشر سنة، منذ جمعتهما فعاليات مهرجان المربد في بغداد عام 1970.

تساءل اللامي هل سيتذكره اللعبي.

رن الهاتف، ورفع عبد اللطيف اللعبي سماعة الهاتف..

- ألو.. من معي؟

وما أن نطق جمعة اللامي بكلمتين حتى "تذكرني في الحال"..

صاح اللعبي:

- هذا مستحيل . أنت في المغرب؟ وصلتني أخبارك الطيبة..

 

يصف اللامي تلك اللحظة الحميمية: "توقف جهاز الهاتف عن أن يكون آلةً باردة ومحايدة: إنني الآن أرى في مرآة روحي عبد اللطيف اللعبي"...

ثم أخبر  اللعبي صاحبه العراقي: "سأكون غداً ... عندكم !".

 

يتذكر جمعة اللامي:

"التقينا في مطلع عام 1970، اللعبي وأنا وسعدي يوسف وألفريد سمعان والشاعر السوداني صلاح إبراهيم، الذي كان يكتب موضوعات جادة بمجلة "الآداب" في العشرية السادسة من القرن العشرين. وكان جمع من شعراء وأدباء العرب قد التقوا في البصرة المربدية سنتئذٍ.

 

وقف الجواهري لينشد قصائده، فاجتاح الجمهور الصالة المغلقة الأبواب. كان حشداً شيوعياَ جاء لرؤية سعدي يوسف أيضا".

 

سيقول اللعبي: "عندما ينشد االشعراء يجب تحطيم الغرف المغلقة".

 

"وبعد ذلك وقف سعدي يوسف، الذي وصل لتوّه في الطائرة القادمة من الجزائر، لم يقل شعرا إلا القليل، كان سعدي ينشج شعراً في مدينته العريقة.

 

"التقى المنفيون!" قال اللعبي.

 

"في الليلة "المربدية" الثانية صرنا فريقا مشوِّشا، كان اللعبي يقرأ علينا من أشعاره أو يتحدث عن مشروعه حول الثقافة الشعبية، بينما سعدي منغمر في ذكرياته مع البصرة، وأنا أضع روحي قبالتي على المائدة، وألفريد لا يزال يحلم بأن يغني للجنود في معارك قادمة".

 

يواصل اللامي سرد ذكرياته الغابرة، في أيام المهرجان الثلاثة، التي ما كادت تنقضي حتى سارع الثلاثة إلى عقد مربدهم الخاص غير الرسمي. "تكتلنا نحن الثلاثة أنا وألفريد وسعدي. وكان الفريق صالح مهدي عماش والوزير شفيق الكمالي يفتتحان السوق الشعري. وكنا نحن الثلاثة نعقد جلسة محاكمة في حانة بصرية.

 

وعن اللعبي يقول: "اللعبي كان رسول ثقافة مغربية إلى خارج التراب المغربي".

قال اللعبي : هذا الإطار الرقيق القاتم للثقافة السائدة يجب تحطيمه، الثقافة البديلة عنواننا. يجب أن نتقدم للمستقبل. نريد ثقافة شعبية، ثقافة للجميع، ثقافة لا تخذل البندقية، ثقافة تهكمية، لا تجلب الفرح بهذه الطريقة المجانية السائدة، ثقافة للإنسان أولا وبعد كل شيء".

 

في المطار العراقي القديم "في الكرخ" "هذا الذي يستقبل الآن زوارا غير مدنيين، ودعنا عبد اللطيف اللعبي: كان شعر رأسه يسقط على كتفيه، ولحيته الشقراء تسقط على صدره، وتبرق عيناه بلون أزرق خاطف. تعارف المنفيون، وها هو أحدهم يغادر!

في عام 1972، كان اللعبي قد استكمل مشروعه مع "أدونيس" لقد كبر الفريق، وبعد ذلك بعام استضافه القيد والسجن لعشر سنوات.

(يتبع)