عندما وصل جمعة اللامي إلى الدار البيضاء، في أحد أيام شهر نوفمبر 1984، كان ينوي أن ينزل بفندق "إكسلسيور" في وسط المدينة، وكانت لديه معلومات حول هذا الفندق التاريخي.
ففي سنة 1965 نزل بإحدى غرفه الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر مع رفيقته سيمون دوبوفوار، إذ كان قريبا من قاعة الأفراح البلدية في شارع الجيش الملكي، حيث ألقى سارتر محاضرة حول الحرية والالتزام، محاضرة تركت صدى ونقاشا واسعا بين المثقفين المغاربة عكسته صحافة تلك الأيام.
لكن لا أعلم من أين جاء جمعة اللامي بخبر أن ألبير كامو هو أيضا كان من زبائن فندق "إكسلسيور"؟
وعندما اقتربت سيارة التاكسي من ساحة محمد الخامس (الأمم المتحدة حاليا)، عدل اللامي عن فكرة "إكسلسيور"، وطلب من السائق أن يذهب به إلى مكان بعيد عن ضجة المدينة، وعن المركز... "مكان يغطس في الأطلسي" كما قال، فكانت إقامته بفندق "رياض السلام" في منطقة عين الدياب.
***
في زيارته للرباط، أعجب الكاتب العراقي ببيت اللعبي عندما استضافه، بيت على الطراز المغربي.
وجاءت قدس، ابنة اللعبي والتقطت لجمعة اللامي صورا تذكارية مع أبيها. أما جوسلين، زوجة الشاعر المغربي، فتولت تقديم الشاي مع الحلوى التقليدية المغربية.
يقول جمعة اللامي عن تلك الزيارة:
لقد "اختصرنا أربع عشرة سنة من الافتراق في أربع ساعات".
ودار الحوار التالي، كما سجلته ذاكرة صاحب "اليشن"..
جمعة: - تمنيت وجودك معنا في ليبيا سنة 1977...
اللعبي: - كنت سجيناً.
جمعة" - قبل أربع سنوات، كنت سأجيء إلى المغرب من أجل أن أراك في السجن.
اللعبي: - كل أخبار الأصدقاء، كانت تصل إليّ أولا بأول.
ثم تحدث اللعبي الى زوجته بالفرنسية، وترجم لجمعة كلامه معها:
- أخبرتها عن النداء الذي رفعتموه إلى السلطة المغربية أنت والبياتي وآخرون...
جمعة: - كيف صحتك الآن؟
تدخلت زوجته: - أوصاه طبيبه الأوروبي بأن لا يسهر كثيرا ولا يتعب كثيرا.
رد جمعة كان: - هذه دعوة للموت...
وتبع ذلك ضحك.
"ثم استغرقنا موضوعنا الأثير القديم: الثقافة البديلة وتذكرنا العديد من الأصدقاء والمعارف . وترحمنا على أنصاف الموتى!
كان ذلك في مساء الخامس عشر من نوفمبر 1984.
بعدها بيومين (17 نوفمبر 1984) سيلتقي جمعة اللامي بالشاعر محمد بنيس في الرباط.
"بقامته المديدة و لهجته المغربية المندمجة بلغة عربية فصحى، أشار محمد ينيس الى الأمام وقال "هذا هو سوق الحد ". كنا نسير في رواق مكشوف من ناحية السماء وخلفنا تماما كانت "منطقة المحيط" حيث الأطلسي يعبر عن ذاته بغضب، ومنطقة "لعلو" التي ينبسط على رابيتها سجن الرباط التاريخي والمقبرة الشعبية من حوله".
وكما لو أنه يرى هذا السوق للمرة الأولى أخذ بنيس يتقرى سجادة فاسية قديمة: إنه التشكيل، العاطفة الفطرية لرجل من عامة الشعب، يدفعك إلى المطلق...
- ماذا ترى في هذه السجادة؟ إنك في ضريح، حيث التجريدي تعبير عن حالة لا نهائية. هذا مزاج الشعب.
توقف بنيس فجأة أمام بسطة لبيع الكتب، وأخذ ينتقي كتبا من هنا وهناك، ورفع كتابا، وقال: "هذا طريف جدا، إنه عالم سوريالي كامل، ستجد فيه كيف يناقش عالم مسلم أشد القضايا المتعلقة باحتياجات الجسد والروح، إنه كتاب مهدى إلى أحد سلاطين تونس، قبل عدة مئات من السنين".
يضيف جمعة اللامي:
"سوق الحدّ" هو المغرب كله، فيه الفقر والغنى، الثقافة والجهل، الدين والإلحاد، وأصوات الشحاذين المداحين للرسول صلى الله عليه وسلم.
قال بنيس "هنا العجائب، غالبا ما أزور هذا المكان لأستمتع إلى الطريف والغريب".
عن محمد بنيس، كتب جمعة اللامي: إنه "صاحب مجلة "الثقافة الجديدة" التي أغلقت مؤخرا ، يتلبسه الاهتمام والهم الفكري و الثقافي، "نحن ما نزال في وضع راكد. ها هي المواقف أمامنا لا تزال كما هي، إننا بحاجة إلى دم جديد . تحدثت مع " أدونيس " كثيرا في هذه المسألة ، أفكر بشيء كبير ولكن الامكانيات غير موجودة مع الأسف".
كانت "الثقافة الجديدة" هي صوت المغرب إلى العرب وبتعطيلها توقف صوت حقيقي.
(يتبع)