فن وإعلام

لو عرف الجاحظ عبد الفتاح كيليطو لقبل رأسه

يوسف خليل السباعي (كاتب)

يتمتع الكاتب والروائي عبد الفتاح بذكاء طبيعي، وليس اصطناعي. إنه يقرأ الأدب الكلاسيكي بطريقة مختلفة ومغايرة. 

إذا مانظرنا إلى كتاباته عن الجاحظ، نرى أنه يجعل من الجاحظ كاتبا جديدا، وليس الجاحظ، كما يدرس في الجامعة.

ماالذي فعله عبد الفتاح كيليطو مع الجاحظ الناثر العظيم في القرن الثالث الهجري كما يعرفه عبد الفتاح كيليطو؟

لقد جعله كاتبا جديدا.

لقد أخرجه من ثوبه القديم وأدخله إلى ثوب جديد. 

لقد كان الجاحظ يكتب نثره انطلاقا من الضد، بمعنى أنه كان لايحب الشعر. والشعر لا إنساني، ولكن الجاحظ كان مدركا أنه يعيش في مجتمع متغير، وأن الميل كان نحو الشعر أكثر منه نحو النثر والسرد ضمن قواعد ما. 

لقد أراد الجاحظ أن ينتصر للجملة السردية والنثرية الناجزة، وكان مدركا لما يحدث حوله. إن تحويل الكائنات والأشياء إلى الكتابة لايتم إلا من خلال الجملة، والجملة كما نعرف ناجزة، ولكن لايمكن للكتابة الأدبية أن لاتصور، ولكن في هذا التصوير يتشكل عرض السرد. إن مايتحول إلى الكتابة هو مايوجد، وهو مايتغيب، أيضا. ولكن ماكان يميز الجاحظ هو أنه كان يلتقط كائنات وأشياء مجتمعه ويصورها.

كانت عين الجاحظ محركة لكل شيء، من إنسان وحيوان، وأي شيء ٱخر داخل بلاغة ينبع منها بخار الواقع، بيد أن مايتحول إلى اللغة يغدو كتابة أي أسلوبا.

إن ماكان يضيفه الجاحظ للغة هو معجمه، وهذا المعجم اللغوي هو مايجعله يرفض هذا ويقبل ذاك.

إن الجاحظ بنظره وشدته يجعل الكائنات والأشياء تتحول في نهر الكتابة الأدبية.

كان الجاحظ، كما يقول عبد الفتاح كيليطو في كتابه " الأدب والارتياب" يعرف أن القارئ عدو، ولهذا كان يستميله عن طريق مخاطبته بعبارات من مثل " حفظك الله" و" أكرمك الله". كان مدركا لحقيقة القارئ من خلال الممارسة والإنتاج الأدبي، ومن خلال معرفته، ولكن هل كان الجاحظ يعرف من هو القارئ؟!

هنا نصل إلى إشكالية عدم وجود نظرية للقارئ على مستوى الأدب. لأن القارئ مجهول، ولكنه يحضر في الكتابة.

إن معرفة القارئ اليوم يحتاج إلى دراسات سوسيولوجية، ولكن من سينجزها؟ 

لم تكن السوسيولوجيا معروفة في زمن الجاحظ، فهي منتوج غربي. ولكن الجاحظ كان يمارسها في كتاباته دون وعي من خلال عينه على المجتمع وطبقاته، ومن خلال التحويل.