يأتيه صوت النعيم من دواخله، لا تقرب هذه الشجرة..
فيمعن في العصيان ويقترب، بل ويأكل من فاكهة الصحافة المحرمة، ليجد نفسه عاريا يخصف عليه من ورق الصحف، منفيا في دنيا العجائب، دنيا من الناس والحجارة والشياطين، ظن نفسه في البدايات ملاكا إلى أن خط أول مقال له، تحسس رأسه، منبت القرنين، فأدرك أنه صار صحافيا، في ذاته يجتمع الملاك والشيطان في تناغم أخاذ، يرقصان "سالسا" الجحيم، جحيم وقوده الزملاء ورؤساء التحرير ومدراء النشر والمنتجون وكتبة الأخبار المعلبة وحملة الإسفنج الملون.
يجد نفسه غريبا بين أهله، يحاول أن يجد لنفسه شبيها فلا يفلح، يتأمل من سبقوه في "الحرفة" فيراهم باسمين يوزعون النظرات ويتبادلون العناق ويضربون المواعيد، يحاول تقليدهم فلا يجد من يصافح فيلغي الابتسامة مخافة نعته بالحمق.
تأتيه الأخبار من حيث لا يحتسب، وقبل أن يخطها بمقاس فهمه للأمور تأتيه الأوامر، يقف بين نارين، نار الخط التحريري ونار الخروج من فردوس أعلى إلى ما دونه.
أيختار نار الخط التحريري ويستغفر ربه في آخر المقال ويسرها في نفسه، أم يختار منفى العطالة الذي لا تغفره تكاليف الحياة وفي أفضل الأحوال سيتحول إلى مراقب لأحوال الطقس حيث يمنع التحليل والتأويل والقراءة بين السحب.
كم مرة وقعنا في الفخ، كم مرة فرض علينا الخط التحريري الذي شنق الرأي قبل أن يولد على الورق، وكم مرة أفلحنا في لَيّ الخط وجعله غير مرئي فنلنا الرضى عن النفس قبل الآخرين.
"الضمير الحي أفضل وسادة ينام عليها المرء" عزاء يليق بالموقف.