رسالة الأستاذ أسمى من كل منحة أو رسوم
السيد الوزير المحترم،
تحية تقدير واحترام،
تابعت مثل الزميلات والزملاء بكثير من الأسف، وبما يليق من التريث والتمعّن، تصريحاتكم الأخيرة أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، والتي ربطتم فيها تحسين أجور أساتذة التعليم العالي بالرسوم التي تعتزم الوزارة فرضها على بعض الفئات، معتبرين أن النظام الجديد سيحوّل الجامعة إلى “نحلة” تعمل ليل نهار، وأن هذا الجهد سيمكّن الأساتذة من مضاعفة أجورهم.
السيد الوزير،
إن الأستاذ الجامعي ليس أجيراً عند الدولة، بل هو حامل لرسالة وطنية سامية، يمثل ضمير الأمة وعقلها المفكر، وحارس قيمها العليا في الحرية والعلم والنقد والإبداع. كرامته ليست موضوع نقاش، لأنها من صلب كرامة الوطن، ولا يمكن أن تُقاس لا بعدد الساعات ولا بحجم العائدات. الأستاذ الجامعي المغربي، رغم هشاشة وضعه المادي، ظل ومنذ تأسيس أولى الجامعات بالمغرب، -ظل- وفيًّا لرسالته في تكوين الأجيال، وصيانة الجامعة العمومية، وتأطير البحث العلمي، والإسهام في بناء مجتمع المعرفة والعدالة.
لقد كان المنتظر منكم، وأنتم ابن هذه المهنة، أن تكونوا صوتها داخل الحكومة؛ أن تدافعوا عن قيمتها لا أن تربطوا إصلاحها بمنطق السوق أو الرسوم. فالأجور العادلة، يا سيادة الوزير، ليست مِنّةً ولا امتيازاً، بل استحقاق مؤسساتي ودستوري يجب أن يُفعّل عبر تنفيذ الاتفاقات المبرمة السابقة مع النقابة العتيدة؛ النقابة الوطنية للتعليم العالي، وإعادة الاعتبار للتعويض عن البحث العلمي وإعفائه من الضريبة، وتحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأساتذة. كل لك على قاعدة المحاسبة والمسؤولية.
السيد الوزير المحترم،
إننا نعلم، وأنتم تعلمون أكثر، أن الجامعة اليوم ليست بحاجة إلى “نظام ميسر” يجعلها تعمل كـ”نحلة”، بل إلى نظام منصف يُعيد التوازن بين الواجبات والحقوق، ويؤسس لنهضة علمية حقيقية. فالاستثمار في الأستاذ هو استثمار في الوطن، لأن الأستاذ الجامعي لا يشتغل فقط لراتبٍ أو منحة، بل يعمل بوحيٍ من ضميرٍ وقيم طنية، وإيمانٍ عميق بأن الجامعة ليست إدارةً بل رسالة.
تصريحاتكم، وإن كانت صادرة بحسن نية، تحمل أثراً سياسياً ومعنوياً بالغاً، إذ تختزل الدور الحضاري للأستاذ في مجرد مقابل مادي، وتفتح الباب لتسليع رسالة أكاديمية عريقة صمدت رغم الإهمال والتهميش. الجامعة المغربية لا تحتاج إلى خطاباتٍ تبرر هشاشتها، بل إلى رؤية دولة تعتبر المعرفة أساس السيادة، والبحث العلمي عماد الكرامة الوطنية.
السيد الوزير المحترم،
نخاطبكم من موقع المسؤولية لا الانفعال، ومن موقع الغيرة لا الخصومة. نذكّركم أن كرامة الأستاذ هي خط أحمر، وأن المساس بها هو مساس بصورة المغرب الذي نريده: مغرب العلم، والكرامة، والسيادة الفكرية. فالجامعة ليست مزرعة إنتاج، بل فضاء وطني لصناعة الإنسان الحر القادر على التفكير والبناء.
ختاماً،
ندعوكم إلى مراجعة الخطاب، وتوجيه البوصلة نحو إصلاح حقيقي يكرّس احترام الأستاذ ويُعزز مكانته في سلم الوظيفة العمومية، ويعيد الثقة إلى الجامعة المغربية كمؤسسةٍ استراتيجية في بناء المستقبل.
فالأمم لا تُقاس بثرواتها فقط، بل بمكانة أساتذتها ومفكريها، ولا تنهض بقرارات الميزانيات، بل بعقول الباحثين والمفكرين الذين يصنعون طريقها نحو التقدم.
وتفضلوا، السيد الوزير، بقبول فائق التقدير والاحترام.






