قضايا

هل الناشرون المغاربة مجرد متسولين؟

عبد الرحيم حزل

مرادنا بهذا السؤال الدعم الذي تخصصه وزارة الثقافة المغربية للكتاب والنشر.

فهذا «الدعم» لا يعيه الناشرون المغاربة إلا بكونه صدقة تجود بها عليهم الوزارة المذكورة.

الأدلة على ما نقول؟

هاك أولها :

كان الدعم المذكور، من يوم أنشئ على عهد الأستاذ محمد الأشعري، دورتين اثنتين في السنة الواحدة. فهذا كان عاملاً قوياً في ظهور أكثر من دار للنشر جديدة، وصدور أكثر من كتاب، لم يكن له، لولا الدعم المذكور، فرصة ليرى النور، وأخص بالذكر كتب الإبداع من شعر وقصة، بل وكتب النقد الأدبي أيضاً. وذلك أنها نوعية ما عدت تجد لها ناشراً يتجاسر على طبعها وإصدارها في الناس، لقلة المبيعات فيها. فكان الدعم الذي ترصده وزارة الثقافة للكتاب والنشر خير معين للناشر، ولاسيما الشاب المتجاسر، غير المتطلع إلى الربح هدفاً وغاية، خلاف معظم الناشرين «التماسيح».

ثم فوجئنا ببعض الوزراء، وفي مقدمتهم غير المأسوف عليه بنسالم حميش، يلغي ذلك الدعم بجرة قلم. ووجدنا آخرين، وتلك هي السنّة الجارية إلي اليوم، يلغون إحدى دورتي الدعم الاثنتين، ولا يبقيون إلا على دورة يتيمة. وقد ترى الواحد من أولئك الوزراء يعمد إلى التراجع عن تلك الدورة اليتيمة أيضاً، كما رأينا لذلك مثالاً صارخاً شنيعاً في السنة ما قبل الأخيرة من وزارية عثمان الفردوس. وذلك أن الرجل جَبُن وارتعدت فرائصه لما قام عليه من الاحتجاج على أثر الفضيحة التي وقعت في دورة سابقة من الدعم، واشتهرت بتلك المبالغ المالية الكبيرة التي صرفها للمغنين والمغنيات، والمبالغ الهزيلة، بل قُل الفتات، الذي صرفه للناشرين.

وأكبر فضائح الدورة المذكورة كان كتاب «البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير» لمؤلفه جاك بيرك، والواقع في خمسمائة صفحة وزيادة، والذي لم يتحصل فيه مترجمه، كاتب هذه الأسطر، برسم الدعم الذي ترصده الوزارة للترجمة في إطار «إقامة المؤلفين»، إلا على مبلغ هزيل لا يتعدى خمسة عشر ألف درهم».

كل ذلك، والناشر لم يقوَ على رفع صوته بشكوى، أو احتجاج، أو استياء، أو استنكار.

أليس إن هذا يجيز لنا أن نتساءل : «هل الناشرون المغاربة مجرد متسولين أمام أبواب وزارة الثقافة؟». فلو كانوا غير ذلك، أي لو كانوا شركاء للوزارة المذكورة، وتلك هي الصيغة السليمة التي ينبغي أن يكون عليها تعامل الناشرين المغاربة مع وزارة الثقافة المغربية، لقد كان التصرف الطبيعي منهم أن يحتجوا على الوزارة رالمذكورة، وأن يستنكروا تلك الارتجالية منها، وذلك الاستخفاف يلاقونه منها في كل دورة من دورات الدعم، هذا بطبيعة الحال في حال تكرمت عليهم الوزارة المذكورة بتلك الدورة، ولم تحجبها حجباً، لما لا يعرف الناشرون المساكين من الأسباب.

وهاك السبب الثاني :

يتعلق الأمر بدورة الدعم الحالية، التي ما فتئت وزارة الثقافة تعد بها الناشرين، ففي كل يوم تعدهم بإطلاقها في اليوم الذي بعده. ولعل ملفها قد أصبح جاهزاً بين يدي السيد الوزير، ولا يحتاج منه إلا توقيعاً، لكن حيث إنه لا يجد أمامه شريكاً قوياً في إشخاص الناشرين المغاربة، بل لا يجد عنده أي شريك في أشخاص أولئك الناشرين كيفما كان مبلغه من تلك القوة، فهو، ووزارته، مرتاحان للمماطلة والتسويف يجعلانهما خطابهما الذي يهشان به أولئك الناشرين.

وإن مما يبعث المرء على استغراب ما بعده استغراب، أن يرى إلى أولئك الناشرين كيف لا يفتأون يجتمعون في إطار جمعيتهم، التي لا يسمع بها أحد، فكأنها المجمع الماسوني، فليس بينهم من يتجاسر على طرح مسألة الشراكة مع وزارة الثقافة، أو يطالب بإلزام الوزارة بموعد مضبوط لإطلاق دورات الدعم، وما بات ذلك الدعم بحاجة إليه من ضروب التصويبات والتصحيحات، وعلى رأسها الرفع من مبلغه الهزيل، لترتفع المبالغ المرصودة لدعم المؤلفات، حتى لا نعود لنسقط في مهزلة المبالغ القميئة التي لا تستحيي الوزارة أن ترصدها لتلك المؤلفات، والتي لم تتجاوز في بعضها الدريهمات المعدودة.

ففيمَ تكون اجتماعات جمعية الناشرين المغاربة، إن هي لم تتفرغ لسألة الدعم، ولم تحسم في قضايا أخرى تتهدد الكتاب المغربي بالزوال، وفي مقدمتها مسألة التوزيع، ثم، وبوجه خاص، مسألة القرصنة التي يتعرض لها الكتاب المغربي عن طريق تصويره بصيغة PDF وعرضه للبيع أو التحميل بالمجان على المواقع المتكاثرة كالفطر على الشبكة العنكبوتية. وأي وجود سيكون بعد ذلك للناشر، الذي لا يعود يبيع حينئذ شيئاً مما يُصدر، وأي وجود سيعود حينئذ للمؤلف والمترجم، اللذين لا يعودان يقبضان برسم مستحقاتهما شيئاً من الناشر، الذي لا يعود عليه شيء من منشوراته؟

مجرد تساؤلات، ولنا إلى غيرها عودة.