رأي

عبد الوهاب الدبيش: أنثروبولوجيا العنف بالجزائر

لا شك أن أي متتبع للشأن العام بالجزائر سيلاحظ أن الخطاب المتداول بين الناس في البيت كما في الشارع يتضمن مفردات وكلمات تنم عن تجذر العنف في المتخيل الجزائري..

كنا ونحن صغارا نتلذذ بما نسمعه عن بومدين وكلماته التي لا تخلو من "دين ربكم" أو عن كيفية طلب ملعقة من نادل مقهى متسائلا عن كيفية اذابة قطع السكر في كأس القهوة "واش بغيتي نحرك القهوة ب…."كلمات من هذا القبيل كانت شأنا عاديا عند هؤلاء الذين الفوها بينهم وتداولوها رغم علمهم بحمولتها الخادشة للحياء وللأدب.

الملاحظ في تتبع تعليقات الفيسبوكين الجزائريين على المغاربة بخصوص أغنية "يا الزينة شربي لاتاي" اعطتني فكرة عن الاسلوب المعتمد عند الجزائريين في نقاش فكرة ما .

والواقع أن الاجابات والردود على المغاربة تخلو من منطق الحوار ومن مقارعة الرأي برأي آخر اللهم كلمات خادشة للحياء ومصرة على ان تكون عدوانية وتحمل في طياتها عنفا متجذرا في الأنثروبولوجيا الجزائرية ..

صحيح ان التاريخ الجزائري مليء بالأحداث الدموية بل جله قتل ودماء وحروب ومجازر بشرية ليس فيها لحظة واحدة للتأمل وبناء الذات المجتمعية من ماسينسا الى يوغرطة إلى الكاهنة الى خير الدين بارباروس الى الجبهة الى العشرية السوداء الى ما يحمله الزمن في خباياه لهذا البلد الذي يتفق اغلب المؤرخين ان بلاده ولادة للعنف وأن تاريخها ليس فيه برهة من الزمن يستريح فيها المحارب للتأمل ولبناء الذات ..

في حقيقة الأمر العنف هو تعبير عن فشل ذريع في الوصول إلى حل أو الى هدنة مجتمعية تتبلور فيها معالم مجتمع مؤسساتي يعبر عن ثقافة البلد وينقش في صخورها معالم طريق تاريخ مجتمعي منظم..

الجزائر ولادة للعنف وقدرها دوما كذلك وعنف تاريخها له انعكاسات مباشرة على الساكنة التي تجدر فيها العنف فأضحى ممارسة يومية ليس فيها ما يزعج من يتعامل بها .

فالخيبات والهزائم التي حملها العنف المتراكم ليس فيها ما يمكن استثماره في تطور المجتمع او التفاخر به .

فلا يمكن للجزائريين ان يفتخروا بتعرض بلادهم للاحتلال التركي والاسباني والفرنسي انها مأساة انسانية كبيرة جعلت الجزائريين مواطنون يدخلون في خانة منسيي التاريخles délaissés de l’histoire كما عرفها نورالدين بوگروج الوزير الجزائري السابق في احد حواراته. منسيو التاريخ هؤلاء بدون هوية ولا تاريخ عقدتهم في الآخر الذي يريد احتلالهم ونهب خيراتهم والحقيقة انهم ناهبو أنفسهم وسارقو أنفسهم ..

العنف في الثقافة الجزائرية عنف مجتمع بدائي لم يتطور الى استخدام العقل في تحصيل منافعه وأرباحه. عنف ينم عن بداوة بدائية في المجتمع الوحشي كما يصنفه المؤرخ ابن خلدون لذلك فلا خيار أمام هذا المجتمع الا أن ينصهر في مجتمعات أخرى لعله ينسلخ من ثقافته الدموية المتجذرة.