رأي

عبد الكريم بنعتيق: عودة الحرب تشكل فرصة للدول الصاعدة في الصناعات العسكرية

وزير سابق

مجال الصناعات العسكرية قطاع يخضع لنفس الآليات الموجودة في كل المنظومات الصناعية، والتي تبدأ غالبا بالتفكير والابتكار القادر على تحويل مشروعا ما إلى موضوع للبحث في المختبرات المختصة، هذه الأخيرة قد تكون تابعة للدولة تشرف عليها مباشرة كحالة الصين مثلا، أو مستقلة، لكنها تحظى بتمويل من الدولة عن طريق مؤسسات مخصصة لذلك مثل وكالة الابتكار بفرنسا التي تتوفر على تمويل سنوي يصل إلى مليار أورو، أو الوكالة الفيدرالية الأمريكية المكلفة بالبحث العلمي في المجال الصناعي العسكري والتي لها ميزانية سنوية تصل إلى 2,6مليار دولار ، عند الانتهاء من مرحلة البحث العلمي، يتم الانتقال إلى فترة التنزيل، هنا يبدأ الاشتغال على وسائل التمويل، وبعدها الدخول في مرحلة الإنتاج الصناعي، ثم التجريب من أجل التدقيق، وأخيرا التسويق عندما تصبح المنتجات المصنعة/ الأسلحة قابلة للإستعمال، ومعلوم أن كل الدول كانت منتجة أو مستوردة، تتوفر على ترسانة قانونية تؤطر هذا الانتقال، خوفا من أن تصبح الأسلحة المصنعة في يد عامة الناس، مما يشكل خطرا على الأمن والاستقرار. هذا التوضيح ضروري في اعتقادنا، نظرا للخلط الواقع عند العديد من المتبعين، فالمرحلة الصناعية الأولى كما أشرنا سابقا، هي من تفكير وتأطير وإنتاج مدني محظ، في حين أن الجانب التشغيلي يتطلب تكوينا احترافيا عسكريا، لا يمكن أن يمارسه إلا من خضع لسلسلة من التداريب غالبا ما تكون معقدة وطويلة تؤهله إلى أن يتحول إلى عنصر قادر على التمكن من المنتوج الصناعي/الأسلحة، بمهنية عالية الشيء الذي لا يتوفر عند الآخرين.

زد على هذا، أن الاهتمام بالصناعات العسكرية له أهمية قصوى خاصة بالنسبة للدول التي تسعى إلى تطوير نسيجها الصناعي بشكل عام، بل هو المعبر الاستراتيجي للتحكم في مهن وحرف المستقبل، لتأكيد ذلك يكفي هنا الإشارة إلى حالة تركيا وكوريا الجنوبية، كأمثلة رائدة في هذا المضمار، بحيث استطاعتا في وقت وجيز التوفر على كفاءات بشرية استثنائية، اكتسبت خبرة بفضل تمرسها واحتكاكها بالتكنولوجيا المستعملة في مجال صناعات الأسلحة.

شيء آخر يحفزنا على القيام بهذا المجهود المتواضع، هو وجود في بعض الجامعات المغربية، لا سيما على مستوى الماستر المتخصص برامج للدراسات متعلقة بالأمن والدفاع، مبادرة من هذا النوع تستحق الدعم والتشجيع، لأنها تسعى إلى تكوين أطر المستقبل، تجعلنا غذا قادرين على الاستغناء عن الاستشارة الأجنبية دعما للاستقلالية والسيادة الوطنية في ميادين حساسة ومهمة لتطوير البلد وصيانة مكتسباته.

بعد هذه التوطئة يجب التذكير ، أن عودة الحرب من جديد للقارة الأوربية شكلت فرصة لمجموعة من الدول الصاعدة في مجال الصناعات العسكرية للبروز في سوق المبيعات بشكل ملفت، لم يكن متوقعا من قبل من طرف العديد من الخبراء، لتأكيد هذا يكفينا الوقوف عند حالة كوريا الجنوبية التي وقعت خلال سنة 2022 على مجموعة من العقود المهمة، على رأسها صفقة وصلت إلى 6 مليار دولار مع بولونيا، هذه الأخيرة اختارت السوق الكوري الجنوبي في تجاهل تام لمجموعة من الدول الأوربية، هكذا برمجت “فروسوفيا”، اقتناء 100 دبابة كورية جنوبية k2، المصنعة من طرف شركة “هنداي روتم « Hyundai Rotem » ، الدفعة الأولى المشكلة من 180 دبابة بدأ التوصل بها منذ سنة 2022، بالإضافة إلى 288 من نوع قاذفات الصواريخ المتـعــــددة « « Lance-Roquettes Multiple، من خاصية هذا النوع من السلاح هو أنه يستعمل مجموعة من أنواع الصواريـــخ، مثــل « Army Tactical Advanced Missile System » «ATACMS »، “سيول” فضلت استعمال أصناف متعددة تنتجها شركة « « HANWHA ، مما يسمح للدول التي تقتني هذا النوع من السلاح، بالتوفر على المخزون الكافي من الصواريخ، مع العلم أن مداها يختلف من سلاح إلى آخر، فهناك من يصل إلى 36 كلم، وآخر يقف عند 45 كلم، وأخيرا هناك من يتعدى 85 كلم، كوريا الجنوبية بصدد التحضير لنوع جديد قد يتعدى 200 كلم، وبذلك استطاعت هذه القوة الصاعدة في مجال الصناعات العسكرية، الاستجابة لطلبات مجموعة من الدول الأوربية التي تسعى إلى تقوية دفاعاتها العسكرية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي ترى في الأسلحة الأمريكية من صنف “هيرماس” « HIMARS » أو « « MLRS » ، قوة تكنولوجية قادرة على خلق التفوق الميداني، إلا أن إنتاجها والتوصل بها يتطلب وقتا طويلا، وهو ما لا تستحمله قيادات الجيوش الميدانية التي يؤرقها الخصاص المهول في العتاد والأسلحة نتيجة سنوات التقشف في ميزانيات الدفاع، بخلفيات أن لحظات السلم لا تتطلب الاستمرار في صرف ميزانيات ضخمة على أسلحة لن تستعمل .

ومعروف أن كوريا الجنوبية استطاعت الدخول إلى أسواق عديدة بهذا النوع من الأسلحة، قوتها هو أنها تعتمد على نوع من الليونة في نقل التكنولوجيا المطلوبة، بخلاف واشنطن المتشددة في كل عمليات بيع الأسلحة.