رأي

منار اسليمي: هذه هي رسائل "تمرد" العدالة والتنمية على حالة الطوارئ الصحية

عرفت الساعات الأخيرة حدثين خطيرين مرتبطين بسلوك بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية، الحزب الحاكم بالمغرب، ويتعلق الحدث الأول، بسلوك تحريضي صادر من داخل جناح العدالة والتنمية بمدينة الراشيدية صدر عن أحد المستشارين الجماعيين الذي ظل منذ بداية الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ الصحية يُهاجم السلطات العمومية ويسخر من الإعلاميين و من كل المغاربة الذين يشيدون بالدور الذي تلعبة السلطات العمومية في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة المرتبطة بخطر وباء كورونا، ووصل به الأمر إلى مهاجمة الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة وباء كورونا، بطريقة فيها الكثير من التحريض والاستهزاء بكل المجهودات والإجراءات الاحترازية التي تجري أمامنا منهيا تدويناته بدعوة صريحة لخروج المغاربة إلى الشارع .
ويتمثل السلوك الثاني، الذي يتزامن مع الأول، في ضبط السلطات العمومية ليلة أمس لأعضاء من حزب العدالة والتنمية بمدينة الفنيدق يستعدون لتوزيع مواد غدائية على بعض السكان، في خرق واضح وصريح للقوانين الجاري بها العمل في حالة الطوارئ الصحية، وبقدر ما تشكل هذه السلوكات جرائم يعاقب عليها القانون، فإن تحمل أربعة رسائل أساسية في هذا الظرف:
الرسالة الأولى: أن بعض أعضاء العدالة والتنمية، أو لنقل جناح داخل العدالة والتنمية، لا يؤمن بمؤسسة اسمها الدولة، وإنما يريد إنشاء”دولة “داخل الدولة، والقارئ لإشارات المستشار الجماعي للراشيدية عليه أن يقرأ سلوكه داخل جناح في العدالة والتنمية وليس فردا واحدا يحمل هوية مستشار جماعي، فالأمر يتعلق بجناح قدم إشارات كثيرة منذ مدة لما هدد بالنزول للشارع ضد سلطات عمومية تطبق القانون، وضد معارضة ترفض نوعا من التسيير الإنفرادي لمؤسسة منتخبة في جهة درعة تافيلالت، جناح في العدالة والتنمية يرفض مؤسسات الدولة و”يتمرد عليها” لينتهي به الأمر إلى الدعوة عن طريق مستشار جماعي للتحريض والخروج للشارع في زمن وباء كورونا ضد إجراءات حالة الطوارئ الصحية.
الرسالة الثانية: أن جناحا عريضا من حزب العدالة والتنمية لا تهمه حياة المغاربة، وإنما يُفكر في الإنتخابات القادمة ويشعر بقلق مما هو قادم، والأخطر من ذلك، أنه يرفض هذا التقارب والالتحام الذي حصل بين الدولة والمجتمع، فهو لا يريد هؤلاء المغاربة الذين تبلورت لديهم نفسية عفوية جديدة تعبر عن علاقة عاطفية جديدة في طور النشوء بينهم وبين الدولة والسلطات العمومية ،مغاربة باتوا ينظرون إلى الدور الأبوي للدولة في لحظة الأزمات ، إلى الدولة الأبوية أمامهم التي تحتضن المواطنين العاديين والمشردين والمتخلي عنهم وتعيد الأبناء لآبائهم وأمهاتهم ،دولة ترعى وتنظم وتعاتب وتعاقب ويطالبونها هم انفسهم هولاء المغاربة بمزيد من العقاب لمن يُعرض حياتهم للخطر ، فالمغاربة الذين كان البعض يروج لهم مفاهيم خاطئة حول الأمن باتوا هم الذين يطالبون بالأمن.
الرسالة الثالثة: أن حزب العدالة والتنمية يعيش قلقا وهو يلاحظ كيف أن رجال أعمال مغاربة ظل ينتقدهم، كيف أنهم اليوم داعمون لصندوق المغاربة، فهو قلق من الدور الذي لعبته الرأسمالية الوطنية لما وضعت جزءا من اموالها في خدمة صندوق المغاربة لتغير بذلك تلك الصورة التي ظل يربطها بهم ويستعملها في خطابه وحملاته الانتخابية ضدهم ،فاليوم يوجد جناح من العدالة والتنمية يشعر فئات عريضة من المجتمع تهرب منه لأنهم يكتشفون زيف الخطاب الذي كانت تروجه قيادات عديدة من هذا الحزب.
الرسالة الرابعة، أن جناحا داخل العدالة والتنمية يريد أن يضرب العثماني نفسه، بصفته رئيس الحكومة، فمن الواضح أنه يوجد جناح لا يريد العثماني أن يسير في إجراءات الحجر الصحي و حالة الطوارئ، هذا الجناح من داخل البيجيدي يريد من العثماني أن يكون أمين عام حزب ويفكر في الإنتخابات، ولا يريده أن يكون رئيس حكومة وممثل قانوني للدولة المغربية.
ويبدو أن هذه السلوكات تعبر عن حالة نفسية لأشخاص من داخل حزب العدالة والتنمية اعتادوا على السلطة وعلى الاستفراد بجزء من الطبقات الشعبية المغربية بتحويلهم إلى خزان انتخابي لم يستطيعوا الوصول إليه الآن في وضع حالة الطوارئ الصحية. ويزعجهم الدور الذي تلعبه السلطات العمومية في هذه المرحلة بطريقة مباشرة تمنع كل الوسطاء، والخطير أن هذه الحالة النفسية لجناح داخل العدالة والتنمية، وهي تسعى إلى السلطة وتفكر في التشريعيات القادمة، تعرف جيدا أنه بعد كل زمن وباء تبرز نفسية جديدة ومجتمع جديد، لذلك فهي تريد إيقاف أو عرقلة العلاقات الجديدة بين الدولة والمجتمع التي توجد في طور النشوء.
*أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق، أكدال، الرباط