على باب الله

وهبي و ملتمس الرقابة...

المصطفى كنيت

يكفي توقيع خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب على ملتمس الرقابة...

وعوض أن يظل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، يلوّح باللجوء إلى هذه الآلية الدستورية، فما على عبد اللطيف وهبي إلا أن يتوكّل على الله، ما دام فريق الحزب، الذي يعيش شرخا في صفوفه، يتوفر على أزيد من 100 نائب، حسب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.

و تكتسب الأقوال صدقها مما يليها من أفعال، وسيكون لسي وهبي شرف إحياء هذه الآلية التي لم تعشها ديمقراطيتنا منذ سنة 1990، حين تقدمت أحزاب المعارضة التي ستشكل الكتلة ( 1992) بملتمس لإسقاط حكومة عز الدين العراقي...

لا يهم أن تسقط حكومة العثماني، لأن المعارضة مجتمعة لا تتوفر على أغلبية مطلقة، حتى لو انضم إليها الاتحاد الإشتراكي، إذا ما قدر الله، وقرر الانسحاب من الحكومة ( وما هو بفاعل ذلك)، غير أن المهم هو النقاش الذي سيتلو الملتمس، وهو نقاش سيكشف عن الثقافة السياسية لبرلمانيينا والسجال والجدال والحجاج، الذي سيتفننون فيه، ببلاغة، بكل ما تزخر به من مجاز و كناية وجناس وطباق، لإقناع الرأي العام بجدوى انتخابهم، خاصة وأن المغرب مقبل على انتخابات في السنة القادمة.

و ستتيح هذه الخطوة، لو تفضل سي وهبي بالقيام بها، للأجيال الجديدة أن تستمع بالمرافعات السياسية عن الأفكار والبرامج، و مقارعة الحجة بالحجة، والأرقام بالأرقام، و ستفرز، ولا شك، خطباء جدد قتل الإبداع فيهم طرح الأسئلة الشفوية وتلاوة التعقيبات و قراءة المداخلات بمناسبة مناقشة الميزانية، والتي يكتبها، غالبا، الموظفون، ويتلوها السادة النواب، لذلك فهي تفتقر إلى "الروح" التي تزرع  التحمّس في النفوس للانخراط في العمل السياسي.

في سنة 1990 برز فتح ولعلو و امحمد الخليفة، وأصبحوا وزراء في ما بعد، وكان الناس لا يملون من تدخلات فرق المعارضة، حتى مطلع الفجر، كما برز  عبدالعزيز المسيوي في الدفاع عن الحكومة، و الطاهر شاكر... ومن الحكومة صعد إلى الواجهة خلي هنا ولد رشيد، الذي كان وزيرا أنذاك، وأثار ضجة بما فاه به في حق الراحل ابرهام السرفاتي.

و حكى لي السيد أحمد عصمان، ذات يوم، حيث كان لي شرف محاورته، في مقر إقامته بالرباط، حول تجربة حكومة عبد الرحمان اليوسفي، التي كان التجمع الوطني للأحرار مشاركا فيها، أنه رفض رفع جلسة مناقشة الملتمس، رغم أن المرحوم الملك الحسن الثاني، كان يتصل باستمرار بمساعديه الذين ظلوا يبلغونه التعليمات برفعها، لكن أبى أن يغادر كرسيه، ولم يسرق من المغاربة متعة متابعة سياسييهم.

و بين هذا التاريخ وذلك وقعت أحداث كثيرة، جعلت المغرب يتصالح مع ذاته ويفتح أوراش كبرى غيرت وجهه الحقوقي والاقتصادي، وعسى أن يكون في ملتمس الرقابة، وسمو المناقشة، ما يغير هذا الوجه السياسي، الذي يبدو شاحبا ضامر أكثر من اللازم..