تحليل

حالة الطوارئ الصحية: بين التشريع المغربي والتشريع الفرنسي

عبد الكبير طبيح*

ليس هناك اختلاف في كون القانون الوضعي المغربي له خلفية مستمدة من القانون الفرنسي على الخصوص من جهة، ومن قوانين دول أخر ى من جهة اخرى. وذلك لاعتبارت تحكمها علاقات المغرب مع فرنسا ذات الطابع القسري سابقا. والعلاقات ذات الطابع الاردي بعدما حصل المغرب على استقلاله .
لهذا فإن جل القوانين الجاري بها العمل في المغرب استفادت من تجريب تطبيق القوانين الفرنسية في جل المجلات. كما ان فرنسا جربت في المغرب قانونا لم تطبقه في بلادها.
وان هذه العلاقة , والتي يصفها البعض بالتبعية الفكرية , لم تقتصر فقط على المجالت المرتبطة بالتشريع في القضايا القتصادية والمالية , بل همت كذلك طريقة التفكير سواء على مستوى الجامعة او على المستوى القضائي. أي ان الفاعلين في المجال الجامعي كثيرا ما يرجعون في تفسيرهم او تقييمهم للقوانين المغربية بمقارنتها مع القوانين الفرنسية.
كما ان مجال القضاء لم يخل هو كذلك من الاستشهاد بالقوانين الفرنسية والمقرارت القضائية الفرنسية وعلى أرسها المحاكم الإدارية والتجارية. بل نجد أحيانا مقتطفات من احكام صادرة عن القضاء الفر نسي , او آارء لبعض الفقهاء الفرنسين منقولة باللغة الفرنسية ومدمجة في حيثيات بعض الحكام القضائية المغربية.
وفي تقديري إن هذا المر ل يجب ان ينظر اليه كنقص بل يجب ان ينظر اليه كانفتاح للعقل المغربي على تجارب دول أخرى قصد الاستفادة منها لما فيه مصلحة المغرب والمغاربة. بدون أي مركب نقص.
في هذا الظرف غير المسبوق في تاريخ البشرية , ليس بسبب نوعية الوباء لن العالم عرف ام ارضا اشذ فتكا بالبشرية مثل ما " La grippe Espagnole ". وانما بسبب سرعة انتشاره عبر العالم بكامله.
هذا الوضع فرض على المغرب ظرفا استثنائيا , و ليس حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور ,اوجب تدخل المشرع المغربي لسن قواعد قانونية يواكب بها ذلك الظرف الستثنائي. وهو نفس الشيء الذي قامت به كذلك الدولة الفرنسية. وما يلفت النظر هو ان تشريع كل من البلدين تم نشره في جريدته الرسمية في نفس اليوم أي يوم 24/3/2020.
فكيف تعاملت الدولة المغربية مع حالة الطوارئ الصحية. وكيف تعاملت الدولة الفرنسية مع تلك الحالة.
إن الجواب على ذلك التساؤل يمر وجوبا عبر الجواب على الاسئلة الفرعية التالية:
1-ما هو الأساس الدستوري المعتمد من كل من التشريع المغربي والتشريع الفرنسي.
2-ما موقف التشريع المغربي والتشريع الفرنسي من مبدأ عدم رجعية القوانين.
3-كيف تعامل التشريع المغربي والتشريع الفرنسي مع حق المتهم في الحضور امام القاض ي الذي سيحاكمه.
بخصوص الأساس الدستور ي.
للجواب على هذا السؤال الفرعي الأول يجب إجراء مقارنة بين ما ينص عليه الدستور المغربي ومقابلته مع ما ينص عليه الدستور الفرنسي بخصوص آلية تفويض سلطة التشريع من طرف البرلمان للحكومة.
ذلك انه بالرجوع الى الدستور المغربي نجد ان هذه الألية منصوص عليها في الفصل 81 منه والذي ورد فيه ما يلي:
" يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدوارت، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها " الأمر في كلا المجلسين، مارسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف " البرلمان، خلال دورته العادية الموالي ة
" يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، " وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في " كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قارر " مشترك بينهما في شأنه. وإذا لم " يحصل هذا التفاق، فإن القارر يرجع إلى اللجنة المعنية في " مجلس النواب.
وانه ي تبين من ذلك الفصل انه يشترط لصحة تفويض سلطة التشريع من البرلمان للحكومة وجوب تحقق الشروط التالية:
1-ان يتم التفويض فقط بين الدورتين , وبالتالي ل تفويض لختصاصات البرلمان للحكومة اثناء انعقاد دروات البرلمان.
2-ان تحصل الحكومة على موافقة اللجان البرلمانية المعنية.
3-ان تعرض الحكومة مرسوم بقانون على البرلمان في اول الدورة موالية لنعقاد للبرلمان قصد المصادقة عليه.
وهذه الشروط هي شروط دستورية. بمعنى ان الخلال بها يمنع على الحكومة اتخاد أي اج ارء يدخل في اختصاص البرلمان المنصوص عليه في الفصل 71 من الدستور.
وعندما نعود الى الدستور الفرنسي نجد ان نفس آلية تفويض سلطة التشريع من البرلمان للحكومة منصو ص عليها في الفصل 38 منه إذ ينص ذلك الفصل على ما يلي:
ARTICLE 38. Constitution
Le Gouvernement peut, pour l'exécution de son programme, demander au Parlement l'autorisation de prendre par ordonnances, pendant un délai limité, des mesures qui sont normalement du domaine de la loi.
Les ordonnances sont prises en conseil des ministres après avis du Conseil d'État. Elles entrent en vigueur dès leur publication mais deviennent caduques si le projet de loi de ratification n'est pas déposé devant le Parlement avant la date fixée par la loi d'habilitation. Elles ne peuvent être ratifiées que de manière expresse.
A l'expiration du délai mentionné au premier alinéa du présent article, les ordonnances ne peuvent plus être modifiées que par la loi dans les matières qui sont du domaine législatif :وانه يتبين من ذلك الفصل
1-ان الدستور الفرنسي يعطي ل لحكومة الفرنسية الحق في استصدار قانون , وليس مرسوم قانون كما هو المر في المغرب ,يرخص لها بممارسة التشريع محل البرلمان في أي وقت , وليس فقط في الحالة التي يكون فيها البرلمان الفرنسي غير منعقد. علما ان زمن انعقاد دوارت البرلمان المغربي يختلف عن زمن انعقاد دو رة البرلمان الفرنسي.
2-انه بناء على ذلك القانون يمكن للحكومة الفرنسية أن تتخذ كل إجراءات له طبيعة تشريعية أي اصدار قواعد قانونية, لكن بواسطة Les ordonnances أي ما يوازي في الدستور المغربي المراسيم.
3-ان تلك )Les ordonnances( ل يشترط الفصل 38 من الدستور الفرنسي المصادقة عليها من قبل البرلمان في زمن معين. وانهم ا يشترط فقط وضعها في البرلمان قبل انتهاء المدة المحددة في القانون الذي فوض للحكومة التشريع محل البرلمان.
وانه انطلاقا من هذه المقتضيات الدستورية فإن الحكومة المغربية استعملت الفصل 81 من الدستور والحكومة الفرنسية استعملت الفصل 38 من الدستور. وبادرت كل منهما على حدة الى اصدار قواعد قانونية هي دستوريا من اختصاص البرلمان:
الأولى: أي الحكومة المغربية بواسطة مرسوم بقانو ن رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23/3/2020 والمنشور الجريدة الرسمية بتاريخ 24/3/2020 تحت رقم 2867 مكرر.
والثانية: أي الحكومة الفرنسية بواسطة قانو ن رقم 2020.290 الصادر في 23/3/2020 والمنشور في الجريدة الرسمية الفرنسية في 24/3/2020 تحت رقم 0072.
فما هو مضمون كلا النصين التشريعين ?.
بخصوص المرسوم بقانون 2.20.292 المغربي
عندما نعود الى مرسوم بقانو ن رقم 2.20.292 الذي أصبح يؤطر قانونا حالة الطوارئ الصحية في المغرب نجده اسند للحكومة صلاحية تدبير حالة الطوارئ الصحية ومكنها من ممارسة اختصاصات تعود في الأصل للبرلمان, كالمنع من التنقل بكل حرية مثلا, وذلك بمقتضى المادة الثالثة منه والتي تنص على ما يلي:
" على الرغم من جميع ا لحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة
" إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب " مارسيم ومقرارت تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة ال وبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة ا لشخاص " وضمان سلامتهم .
" ل تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استماررية المارفق العمومية الحيوية، وتأمين
" الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.
كما تنص المادة الخامسة من نفس المرسوم بقانون على ما يلي:
" يجوز للحكومة، إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، أن تتخذ، بصفة استثنائية، أي إجارء ذي
" طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يك تسي صبغ ة الستعجال، والذي من شأنه "السهام، بكيفية مباشرة، في مواجهة ا لثار السلبية المترتبة على إع لان حالة الطوارئ الصحية " المذكورة.
وانه يتبين من صياغة المادة الثالثة والمادة الخامسة ان المرسوم بقانون رخص للسلطة التنفيذية ان تمارس اختصاصات السلطة التشريعية بإصدار تدابير بطابع قانوني ملزم لجميع المغاربة. بينما ل يظهر من تلك الصياغة انها تتوجه الى السلطة القضائية وذل ك , في أري ,تطبيقا لمبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
لكن وحتى ل يبقى هناك ف ارغ يجعل قطاع العدالة بجميع مكوناته وظروف اشتغاله , معرضا لتبعات انتشار الوباء , فأن مشرع المرسوم بقانون , وإن لم يسند للحكومة تدبير هذا القطاع إل انه تدخل هو ,أي مرسوم القانو ن. وسن قواعد قانونية تتعلق بحماية قطاع العدالة كذلك من هذا الوباء.
فالمرسوم بقانون لم يتوجه الى القضاء مباشرة بل توجه الى أهم آليات اشتغاله وهي الآجال جميعهاإذ نصت المادة السادسة منه على ما يلي:
" يوقف سريان مفعول جميع ا لآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية
" الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية ال معلن عنها، ويستأنف احتسابها
" ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة .
" تستثنى من أحكام الفقرة ا لولى أعلاه آجال الطعن با لستئناف الخاصة بقضايا " ا لشخاص
المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحارسة النظرية وا لعتقال " ا لحتياطي.
وانه يتبن من مواد المرسوم بقانون انه مكن الحكومة المغربية:
1-من أن يصبح لها الحق في اتخاذ كل التدابير حتى تلك التي ترجع لختصاص البرلمان , أي تدخل في مجال القانون, وذلك بواسطة م ارسيم ومقرارت تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات. والتي في الوضع العادي يجب ان تصدر بواسطة قوانين.
2-تمديد سلطتها في اتخاذ أي إج ارء له طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئ ي يك تسي صبغة الستعجال، والذي من شأنه السهام، بكيفي ة مباشرة، في مواجهة ا لثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية المذكورة. وهو ما يعني ان من حق الحكومة اليوم ان تقوم بواسطة م رسوم بالتدخل في التعاقد البنكي بخصوص الفوائد مثلا ا و الت ازمات الأط ارف بتغيير كيفية وآجال تنفيذها.
3-ان المرسوم بقانون وإن اس تحضر استقلال السلطة القضائية , إل انه نص على وقف كل الآجال التشريعية والتنظيمية علما أن الآجال المقصودة في المادة الخامسة هي كل انواع ا لآجال, باستثناء ما نصت علية الفقرة الأخير من نفس المادة, المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية سواء كانت آجال اسقاط او آجال تقادم أي:
-آجال إقامة الدعوى , أي آجال التقادم المنصوص عليها في كل القوانين وعلى ارسها ظهير اللت ازمات و العقود وغ يرها من القوانين في جميع المجالت.
-أجل تبليغ المقال للمدعى عليه المنصوص عليه في الفصل 40 من قانون المسطر ة المدنية الذي تنطلق به إج ارءات الدعوى وبالتالي تنطلق به جلسات المحكمة. وهو ما يؤدي الى منع المحكمة من الستم ارر في عقد الجلسة ما دامت المادة الخامسة أ وقفت سريان اجل تبليغ المقال للمدعى عليه.
-أجل الطعن في الحكام وأجل تبليغ المستشار المقرر بالملف من قبل الرئيس الأول واجلتبليغ المستأنف عليه بالمقال الستئنافي للمستأنف عليه. المنصوص عليها في الفصل 329 من قانون المسطرة المدنية , باعتبارها آجال تشريعية. وهو ما سيؤدي الى وقف الجلسات أمام محكمة الست ئناف.
-أجل تبليغ بعض الإنذا ارت ذات الطبيعة القانونية.
وان هذه المادة أتت لتشكل السند القانوني لق ارر الرئيس المنتدب للسلطة التشريعية الذي علقت به جلسات المحاكم بطريقة استباقي ة , مثله مثل الق ارارت الستباقية الأخرى التي اتخ ذت قبل صد ور المرسوم بقانون كق ارر إغلاق المجال الجوي المغربي.
بخصوص اختلاف التعامل مع مبدأ عدم رجعية القوانين
من المبادئ العامة المقدسة في كل التشريعات الحديثة هو منع اي حكومة من أجل ان تسن أي قانو ن جديد لكي يطبق على الأوضاع السابقة لنشره. وهو ما يعرف لدي الجميع بمبدأ عدم رجعية القانون .
وان الغرض من ذلك المبدأ هو الحيلولة دون ان تقوم أي حكومة جديدة بالمس بحقوق الف ارد التي اكتسب ت في ظل حكومة سابق ة او تصدر هذه الحكومة الجديدة قوانين عقابية على أفعال ارتكبت في الماضي أي قبل صدور القانون الجديد .مع استحضار الستثناءات المعروفة.
فالمرسوم المغرب ي رقم 2.20.293 الذي أعلن حالة الطوارئ والذي صدر في 24/3/2020 لم ينص على انه سيطبق بأثر رجعي على التدابير التي اتخ ذت بصفة استباقية وبحكمة كبيرة نتج عنها تحقيق حماية كبيرة للمغاربة من الإصابة بهذا الوباء.
لكن مشرع المرسوم المذكور سكت على تحديد تاريخ بداية حالة الطوارئ وترك للجهة المؤهلة لتفسير القانون وهي القضاء إمكانية الجتهاد لتحديد ذلك التاريخ حسب حالة المعروضة عليه. من اجل معالجة التدابير التي اتخذت لمواجهة الوباء قبل صدور المرسوم بقانون.
وبالفعل تدخل القضاء عندما أتيحت له الفرصة , فأصدرت محكمة الستئناف الإدارية بالرباط ق ارار تاريخيا في 26/3/2020 في الملف الستئنافي عدد 422/7202/2020 اعتبرت فيه ان حالة الطوارئ بدأت بإغلاق المجال الجو ي واصفة ذلك الق ارر بالسيادي. علما ان ذلك الغلاق تم في تاريخين 10و 15 مارس 2020. أي قبل تاريخ نشر المرسوم بقانون في 24/3/2020.
وان ق ارر محكمة الستئناف الإدارية فتح نقاشا مثم ار حول وصف الق ارر الستئنافي لق ارر اغلاق المجال الجوي ب " السيادي " معتمدين على مواقف للقضاء الفرنسي وعلى تشريعاته.
والمهم هو ان المرسوم لم يذهب الى حد النص ص ارحة على تطبيق مقتضياته بأثر رجعي.
وعندما نعود الى التشريع الفرنسي , أي قانون 2020.290 المشار اليه أعلاه لنرى كيف تعامل مع مبدأ عدم رجعية القانو ن. نجده تناوله في الفقرة الأولى من الفصل 11 من ذلك القانون والتي ورد فيه ما يلي:
I. - Dans les conditions prévues à l'article 38 de la Constitution, le Gouvernement est autorisé à prendre par ordonnances, dans un délai de trois mois à compter de la publication de la présente loi, toute mesure, pouvant entrer en vigueur, si nécessaire, à compter du 12 mars 2020, relevant du domaine de la loi et, le cas échéant,
à les étendre et à les adapter aux collectivités mentionnées à l'article 72-3 de la Constitution:
هو نفس المقتضى الذي ستؤكدهL’ordonnance رقم 2020.303 الصادر بتاريخ 25/3/2020 تنفيذا للقانون 2020.290 والمتعلقة بالمسطرة الجنائية والتي نص الفصل الثالث منها على ما يلي:
Les délais de prescription de l'action publique et de prescription de la peine sont suspendus à compter du 12 mars 2020 jusqu'au terme prévu à l'article
مع ان القانون الفرنسي رقم 2020.290 نشر في 24/3/2020 أي بعد 12/3/2020. مما يعني ان القانون الفرنسي نص ص ارحة على تطبيقه على بأثر رجعي.
وانه يتبين من كل ذلك, مدى الختلاف بين المشرع المغربي الذي لم ينص على تطبيق مرسوم القانون بأثر رجعي. بينما المشرع الفرنسي نص على تطبيق قانونه بأثر رجعي بكل وضوح مرتين.
مما يتيح فرصة للتقييم والتأويل والتفسير.
بخصوص اختلاف التعامل مع حق المتهم في الحضور في الجلسة
من غير المنازع فيه ان من أهم شروط المحاكمة العادلة هو حق المتهم غير القابل للتصرف في الحضور امام القاضي الذي سيحاكمه وسيصدر حكمه الذي قد يمس بحريته الفردية التي هي من أكثر الحريات قداسة. وهو ما أجمعت عليه كل التفاقيات الدولية ذات الصلة. بل ان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الحكيم بان محاسبت ه لعباده ستتم بحضورهم إذ ورد في سورة النحل الآية 111 ما يلي:
يَوْمَ تَأْتِ ي كُلُّ نَفْسٍ تجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلتْ وَهُمْ لَ يُظْلمُو نَ
فالمتهم من حقه ان ينظر الى عيني القاضي الذي سيحاكمه , من حقه ان يبكي أمامه إن ا ارد, من حقه ان يبوح له بأس ارر او كلمات لم يقلها لأي احد.
كما من واجب ومن حق القاضي ان ينظر الى عيني المتهم الذي سيحاكمه وي ارقب حركاته وسكناته امامه قبل ان يصدر حكمه علي ه. وهو الحكم الذي يتحمل القاضي وحده مسؤوليته الدينية والأخلاقية والقانونية.
فكيف عالج المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المغربي حق المتهم في الحضور امام القاضي الذي يحاكمه. وكيف عالجت نفس الحق L’Ordonnance رقم 2020.303 المتعلقة بملاءمة المسطرة الجنائية الفرنسية مع حالة الطوار ئ الفرنسية.
فبخصوص المرسوم بقانون 2.20.292 المغربي فإنه لم يتدخل في سلطة المحكمة في احضار المتهم او عدم احضاره. أي لم يتدخل في تسيير الجلسة التي يرجع الختصاص فيها لرئيسها. ولم يتدخل في علاقة رئيس المحكمة مع المتهم الذي سيحاكمه.
بل تناول المحاكمة الجنائية من جانب حماية مصالح المتهم بان لم ي وقف سيريان أجل الوضع في الح ارسة النظرية ول أجل العتقال الحتياطي ول أجل الطعن بالستئناف في الحكام الجنحي ة. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة السادسة على ما يلي:
" تستثنى من أحكام الفقرة ا لولى أعلاه)أي القرة التي تتكلم على وقف الآجال( آجال الطعن
" با لستئناف الخاصة بقضايا ا لشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحارسة النظرية ا لعتقال ا لحتياطي وان هذه الفقرة تعني:
1-أن الشرطة القضائية يجب عليها ان ل تحتفظ با لأشخاص الموضوعين تحت الح ارس ة النظرية أكثر من المدة القانونية الجاري بها العمل قبل ا ل علان عن حالة الطوا رئ الصحية.
2-أن قاضي التحقيق والمحكمة يجب عليهما ان ل تحتفظا بالمتهم أكثر من المدة القانونية للاعتقال الحتياطي الجاري به العمل قبل العلان عن حالة ا لطوار ئ الصحية.
3-ان على المحاكم الجنحية أل تتوقف عن البت في القضايا المعروضة أمامها أثناء فترة الطوارئ الصحية. وان تستمر في عملها بصفة عادية.
بينما عندما نعود الى التشريع الفرنسي نجده مدد في فترة الح ارسة النظرية وفترة العتقال الحتياطي اثناء فترة الطوارئ الصحية. إذ ينص الفصل 16 L’Ordonnace رقم 2020.303 على مايلي:
En matière correctionnelle, les délais maximums de détention provisoire ou d'assignation à résidence sous surveillance électronique, prévus par les dispositions du code de procédure pénale, qu'il s'agisse des détentions au cours de l'instruction ou des détentions pour l'audiencement devant les juridictions de jugement des affaires concernant des personnes renvoyées à l'issue de l'instruction, sont prolongés plein droit de deux mois lorsque la peine d'emprisonnement ..........
لكن المهم في المادة 5 من المرسوم بقانون انها لم تنص على السماح للقاضي بان يحاكم أي متهم في غيبته وان يمنع من الحضور الى الجلسة التي تعرض فيها قضيته.
ومن المفيد الإشارة الى ان عدة جلسات تتعلق بالمعتقلين عقدت وتمت محاكمة المتهمين فيها عن طريق استعمال وسائط التصال عن بعد من داخل السجون.
وبغض النظر عن الملاحظات التي أثيرت بخصوص كيفية تدبير المحاكمة عن بعد , والتي ليس اليوم وقت تقييمها. أل انه من الواجب ا لشارة الى ان المعل ومات التي تصل من المحامين الذين حضروا تلك المحاكمات تبين ان السادة القضاة كانون يخيرون المتهم ومحاميه هل يقبل بان تجرى محاكمته بدون نقله من السجن وهل هو مستعد للجواب على أسئلة المحكمة عبر وسائط التصال عن بعد ام ال. وانه عندما يتمسك المتهم او محاميه بضرورة حضور المتهم شخصيا أمام المحكمة, فان هذه الأخير تؤخر الملف لجلسة اخر في انتظار رفع حالة الطوارئ الصحية. وبطبيعة الحال تبت في طلب الس ارح ان قدم لها.
لكن عندما نعود الى التشريع الفرنسي نجده ذهب الى العكس من ذلك, أي مكن المحكمة التي تبث في القضايا الجنحية , باستثناء القضايا الجنائية , من محاكمة متهم معتقل بدون ال ازمها بإحضا ر ه من السجن, بل وبدون اخد اريه في ذلك . وهو ما يتبين من الفصل 5 من L’Ordonnance رقم 2020.303 والذي ورد فيه ما يلي:
Par dérogation à l'article 706 -71 du code de procédure pénale, il peut être recouru à un moyen de télécommunication audiovisuelle devant l'ensemble des juridictions pénales, autres que les juridictions criminelles, sans qu'il soit nécessaire de recueillir l'accord des parties.
En cas d'impossibilité technique ou matérielle de recourir à un tel moyen, le juge peut décider d'utiliser tout autre moyen de communication électronique, y compris téléphonique, permettant de s'assurer de la qualité de la transmission, de l'identité des personnes et de garantir la confidentialité des échanges entre les parties
et leurs avocats. Le juge s'assure à tout instant du bon déroulement des débats et le greffe dresse le procèsverbal des opérations effectuées.............
وهكذا نرى الفرق بين تعامل التشريع المغربي وبين تعامل التشريع الفرنسي بخصوص حق المتهم في الحضور في الجلسة التي سيحاكم فيها.
لكن ما يجب الشارة له كذلك هو ان ما يختلف فيه التشريع الفرنسي عن التشريع المغربي. ه و الحكومة الفرنسية أصدرت 51 Ordonnances غطت كل الحالت, بما فيها وقف أداء واجبات الك ارء وفواتير الماء والكهرباء إذ ينص الفصل 11 من قانون 2020.290 المشار اليه أعلاه على ما يلي:

Adaptant les règles de passation, de délais de paiement, d'exécution et de résiliation, notamment celles relatives aux pénalités contractuelles, prévues par le code de la commande publique ainsi que les stipulations des contrats publics ayant un tel objet
Permettant de reporter intégralement ou d'étaler le paiement des loyers, des factures d'eau, de gaz et d'électricité afférents aux locaux professionnels et commerciaux et de renoncer aux pénalités financières et aux suspensions, interruptions ou réductions de fournitures susceptibles d'être appliquées en cas de nonpaiement de ces factures, au bénéfice des microentreprises, au sens du décret n° 2008-1354 du 18.......... -
لكن في تقديري فان التشريع المغربي عندما نص في المادة 5 من المرسوم بقانون على وقف الآجال بصفة عامة وبدون ان يحد د نوعا معينا من تلك الآجال يؤدى ذلك الى خضوع كل الديون وغيرها من الستحقاقات المرتبطة بأجل الى ما تنص عليه المادة 5 من وقف سريان الآجال. مع كل ما يترتب على ذلك من آثار قانونية.
*محامي بهيئة الدار البيضاء وبرلماني سابق