فن وإعلام

الفقيه العلامة الراحل محمد بن عبد الله القاسمي في سطور

عبد الغني القاسمي

يكون من الصعب على المرء أن يكتب مثل هذه السطور حول والده المرحوم و كأنه يجذب أنظار الناس الى نفسه والى والده من باب الاعتداد بالنفس و تمجيد الذات ، و لكنني سرعان ما تراجعت عن تلك القناعة عندما ألح علي أحد تلامذته الأوفياء في أن أؤدي شهادتي في ذلك العالم الجليل الذي يشهد له الجميع بالتواضع و نكران الذات و العصامية التي طبعت مسيرة حياته ، و خاصة خلال اشتغاله بالتدريس أو بمزاولته لمهنة القضاء ، انه الفقيه القاسمي أحد علماء تطوان الأفذاذ في القرن العشرين  الذي أقدم عنه هذه السطور.
الازدياد والمنشأ و التوجه الى فاس
 ازداد محمد بن عبد الله بن أحمد بن العالم المحدث الحافظ الفقيه عبد الغني القاسمي التطواني  الادريسي الأصل و النسب في منتصف سنة 1896 وذلك بمنزل العائلة الكائن بزنقة جامع المسندي الواقعة بين حومة النيارين و حومة الاطرانكات بالمدينة العتيقة ، و لظروف عائلية قاهرة و ملازمته لعمه الذي كان يمتهن الحدادة بزنقة الحدادين ( أمام قوس السوق الفوقي )  لم يلتحق بالمسيد الا بعد بلوغه 18 عاما من عمره ، و رغم ذلك استطاع حفظ كتاب الله وهو يطل على سن العشرين ، وهوما دفعه الى اقناع والده بالابتعاد عن عمه حتى يتفرغ للتتلمذ على يد خيرة الفقهاء التطوانيين في تلك الآونة ، فحفظ ما تيستر له من  الستين متنا و أغرم بالأجرومية و الألفية و موطأ الامام مالك ومختصر سيدي خليل و ابن عاصم ، مما جعل الفقيه أفيلال يقترح عليه التوجه الى فاس لمتابعة دروسه بجامع القرويين سنة 1917 رفقة ثلة من الطلبة التطوانيين  ذكرهم مؤرخ تطوان الفقيه محمد داود وقد التحق بهم الفقيه داود نفسه و امحمد بنونة سنة 1919  ، و يروي الوالد رحمه الله أن انطلاق الرحلة الى فاس كان من باب التوت بحضور المودعين أفراد عائلات الطلبة و جيرانهم الى جانب بعض فقهاء المدينة ، و وسيلة النقل لم تكن سوى الحمير المثقلة بالمؤن و الألبسة و باقي حاجيات السفر، و من الطقوس المألوفة آنذاك قراءة بعض الآيات القرآنية و التوجه ببعض الأدعية ليوفق الله طلبة العلم و يحقق مرادهم ، كما بادر بعض الحاضرين  برش ماء الزهرعليهم في جو مؤثر أشار اليه بتفصيل الحاج محمد بنونة في مذكراته المعنونة ب " رحلتي الى فاس سنة 1919 " ، وفي نفس المذكرات سيتعرف القارئ على الصعاب التي يواجهها كل مار بمراحل السفر من تطوان الى فاس في زمن كانت البلاد فيها تفتقر فيه الى عدد من ضروريات الحياة الراهنة ، خاصة أن تلك السنة كانت هي السابعة من عهد الحماية وو الوضع السائد  خارج المدن كان استثنائيا .
لاحقا سيكون الحديث حول السنوات 13 التي قضاها المرحوم في فاس الى حين عودته الى تطوان سنة 1930