قضايا

العدالة والتنمية ووهم التصويت العقابي المحتمل

يونس وانعيمي

وفرت تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نموذجا نمطيا لما يسمى بالتصويت العقابي. إذ يفسر الكثيرون، وبشبه إجماع، على أن انكماش الحزب سياسيا، بعد توهجه التمثيلي، راجع بالأساس لمعاقبة صناديق الاقتراع له، بعد نكوص وعوده السياسية الشعبية وتراجعه عن برنامجه في التغيير.
ولأن حالة الاتحاد الاشتراكي لا تحتمل هذا التفسير الاحادي المبسط لارتباط مساره وصيرورته بباراديغم مركب، فإنه يصعب علينا ربط توهج او نكوص حزب مغربي ما، بنكوص وعوده الانتخابية أو تراجع برامجه السياسية ... ولنا في المغرب ألف قصة نرويها عن أحزاب عاشت لستين سنة تقريبا انتعاشة انتخابية بلا وعود واضحة ولا برامج صريحة مقابل أحزاب لم تنل حظها النيابي الطبيعي حتى بتوفرها على برامج شبه ثورية تتماهى كثيرا مع تطلعات وآمال كثير من المغاربة.
الحالة تنطبق تقريبا على حزب العدالة والتنمية والذي يوصف مجازا بالحزب الحاكم. فربما ينتظر الكثير من المتتبعين انكماش توهجه الانتخابي وخضوعه لمساءلة ومعاقبة "اقتراعية" لأنه سيؤدي الفاتورة السياسية لتموقعه في السلطة بدون استيفاء وعوده الكبرى : تخليق مؤسسات الدولة بقيم إسلامية، مأسسة تكافؤ الفرص بمحاربة الريع المخزني ومحاسبة المتمخزنين السلطويين (الأعداء الكامنين في اللاشعور الجمعي للمغاربة).
من ينتظر معاقبة العدالة والتنمية ينسى ان الوعود كيفما كانت براقة فإن الوفاء بها من عدمه ليس هو المعلم الممنظم التي يحقق به حزب ما عقاراته التمثيلية.
هناك أمور سهلة ممتنعة، اولها الأخوية الحزبية fratrie سبق وأن حققها حزب الاستقلال اولا بجعل كل منخرط "فردا من عائلة"... وعلى منوال هذا الارتكاس الجماعاتي sectaire خطط حزب العدالة والتنمية ربما منذ الثمانينيات ، لشجرته العائلية.
للحزب اليوم حوالي مليون ومائتي ألف ناخب قار (إلى حدود 2015). سيزيد ذلك او سينقص وفق ما حققه الحزب من استقطابات ريعية مع مزيد من المصوتين (وفق تموقعهم في تسيير الشأن العام لعقد من الزمن). ، وهو رصيد انتخابي مهم مقارنة مع ما تتوفر عليه باقي الاحزاب (كل حزب على حدة) .. ربما سيجعلهم ذلك دوما في مقدمات المراتب الاقتراعية المقبلة..
 هذه الأرصدة من الناخبين الأوفياء هي التي تترتب بها مكانة الأحزاب التمثيلية التي تنجب مكانتها السياسية (الحزب قوي بمقاعده وليس بوعوده) ، ولم تعد تشف غليل المحللين كل تلك الانتقادات والملاسنات، عبر وسائل الإعلام، والتي تحاول المس بمصداقية حزب ما لانه تخلى عن وعود ما.
ما وقع للاتحاد الاشتراكي وللاشتراكيين بالعالم، هو إعتبارهم بأن خلق الأخويات الاشتراكية فيما بينهم وتوزيع امتيازات خاصة لمريديهم وانصارهم (بهدف التمدد الحيوي) هو في صميم اللاأخلاق السياسية التي يحاربونها في منظومة قيمهم.. فكان غياب ذلك التكتيك التمددي هو بالضبط سبب نكوصهم الانتخابي.
 الحزب الأول غذا هو من يفوق البيجيدي من حيث قواعده وعقاراته الانتخابية (وهي للعلم عملية اكتوارية يمكن توقع حساباتها ولو مؤقتا)، ولن يكون اولا من يدعي طهرانية اكثر او استقامة سياسية امثل، أو الهجوم هنا وهناك سواء بفرق نيابية او باستخدام ذباب او ذئاب منفردة..
والمغرب مهيكل سياسيا، منذ اول دساتيره وباستشارة دستورانيين فرنسيين كبار، حتى لا يكون هناك حزب اول بل أحزاب أولى وفق منطق تكتلاتي coalitionniste يستحيل معه وجود حزب اغلبي حتى ولو اقتضى ذلك تعديل الدستور برمته... وبالتالي
سيبقى العدالة والتنمية من المتصدرين ما دامت قواعد مريديه تابثة ،مع تجريب ورقة الأصالة والمعاصرة التي تعيش عقدة اوديبية مع المؤسس ويحاول الجميع تخليصها منها