قضايا

لُعْبة الأُمم والـمنظمات الدولية غير الحكومية

عبدالله بوصوف

يـُحاول المغرب كـلاعب أسـاسي في "لعبة الأمــم"، معتمدا على رصيده التاريخي والحضاري...، أن يضمن لـنفسه صورة إيجابيـة تـتماشى مع المعاييــر الدولية المعاصرة باستعمال آليــات معاصرة تتشابـك فيها المصالح الــسياسية بالاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والبيئية.

هذا في فترة عــرفت ترسيـخ قــوة هـيئــات المجتمع المدني وجمعيات حقـوق الإنســان والبيئــة، ورفــعتْ شعــارات الـديمقراطية الـتشاركية والحكامة الجيــدة، وصراع تـراتُـبـيـة مصادر الــتشريــع ومصادر القاعدة القانونية بيــن المبادئ الكونيــة والـقوانيـن الـمحلي، أي بين الدين والعُرف والقوانين الكونية.

"لُعْـبة الأمــم" لا تـشمل الــدول فقط، بــل أيضا المنظمات الــدولية غيـر الحكومية والجمعيات الحقوقية التي أصبح دورها حاسما في صنع صُـور الـدول وتـصنيفهـا... بحيث أصبحت بعض المنظمات الـدولية غير الحكومية وبعض الهيئــات الحقـوقية الـدولية وبعض المنصــات الإعلامية... كأدرع " تهديــديــة وعقـابيـة" للعديد من الأنظمة والــدول من جهة، وكمؤسسات لـتسليم شهادة "حُسن السيرة والسلوك" لـدول أخـرى من جهة ثانية!

مما يجعل من ســؤال مــدى استقلالـية وحياد قــراراتهـا ســؤالا مشروعـا مادامت تقاريـرها الـسنويـة أصبحت كـالـسياط على دول، وبـردا وسلامـا على دول أخــرى وبمعاييـر تكـاد تكــون "مـزدوجة".

لـذلك، نـرى من الضروري كشف النقــاب عن بعض جوانب إشكاليــة الحياد واستقلالـية تقـاريـر بعض المنظمات غير الحكومية، مادامـت تُـشكل مكونـا أسـاسيـا في الـنظام العالمي الجديـد وفي "لعبـة الأمــم" في الـقـرن 21، حـيـث تنـوعـت أنشطتهـا بـيـن محاربة الـفقـر والـدفـاع عـن الـبيـئـة والحريات الـمدنيـة الــفردية... وقـبـل كل هـذا الـدفاع عـن الـديمقراطية والـترويج لهـا في كـل دول العـالـم.

فـاعلـون سيـاسيـون واقتصـاديـون ورجال المال والأعمال... سيجعلـون مـن هـذه الـمنظمـات أدوات طيعـة في أيـاديهـم وتـحكمـوا فـي تـقاريـرهـا الــسنوية وتـوجيهــاتهـا حتى أصبحت الـتقـاريـر جاهـزة علـى مقــاسات معينة.

وهكـذا، نـجـد أن منظمـة العـفـو الـدولية مثلا، التي يوجد مقـرهـا بلنـدن، تـعمـل كـمستشـار للعـديــد مـن الـمنظمات، كالأمـم الـمتحدة والـمجلس الاقتصـادي والاجتمـاعي التـابــع لهـا واليــونيسكــو والاتحـاد الأوروبـي، وغيـرهــا من الـمنظمات الامـريكيـة.

أضف إلى ذلك أن منظـمة الـعفو الـدولية، وهي كمنظمة غيـر حكوميـة ومستقلة، تُـمول عـن طـريـق "الـتبـرع مجهـول المصـدر"، ممـا يجعـل الـبحـث عـن مصادر الـتمويـل غـاية فـي الـصعوبـة، وهـو فـقـط لـحمايـة "مبـدأ الاستقــلاليـة".

لـهـذا، نجـدهـا لجـأت إلى مؤسسـات" الـظــل" وأنشـأت إلـى جـانب مـنظمة الــعـفــو الـــدوليـــة الأم كــلا مـن "الـعفو الـدولية الـمحدودة" و"العفـو الـدوليــة الـخيريـة الـمحدودة". وهـذه الأخيرة مسجلـة كهيئـة خيـرية، ومن هُــنا تـمر الـتمويـلات مـن طـرف المجموعات الـدولية وأيضـا الـتعـاونيـة.

Amnesty International +
Amnesty International Limited (“AIL”) +
Amnesty International Charity Limited (“AICL”) +

ونجـد هــذا مـناسبة لـتجـديد القول بضرورة إنـزال منظمة العفـو الـدولية من عـليـاء بُـرج الموضوعية والحيـاد، مادامت مستمرة في نسـج تقارير" تحت الطلب" وعلى مقاسات مصالح أخرى تهدف إلى ضرب الوحـدة التـرابيـة المغربية في العمق وتهدد تماسـك اللحمة الوطنية الداخليـة، من خلال تقارير سنويـة مسمومة تفتقر إلى معايير الواقعية والموضوعية.

وللأسف الشديد، تنهج بعض المنصات الإعلامية والصحافية الـدولـية نفس الخـط التحريـري لــتلك المنظمات غير الحكومية، وتستعمل لـغـة وأسلوب" الـفبـركة" أو تـتصيد كـل الانـزلاقات الـفردية، نتيجة للـتدافع الـسياسي والاجتماعي والاقتصادي الـذي يعرفـه المغرب كـكل مجتمع حالـم بـغـد أفضـل وطمــوح بـتحسين ظـروف عيـش مـواطنيـه داخل منظومات الـديمقراطية وحقـوق الإنسان ودولـة المؤسسات.

إننــا لا نخشى الانتقـاد الموضوعي والـبنًـاء، بـل نحبـذ بنـاء ثقـافـة الاختـلاف والتعـايش والمكاشفة والنقـد الذاتي في ظـل مؤسسات حكومية وحقوقية وتعددية حزبية ونقابية وهيئات للمجتمع المدني هدفهـا حمايـة حقـوق الإنـسان وترسيخ الممارسات الديمقراطية وبنـاء دولـة الحـق والقـانون.