قضايا

التربية على الكمَامة

أمينة مجدوب

كنت متفائلة فوق العادة ، عندما كتبت سابقا أن وباء كورونا سيندحر بسرعة من المغرب،وأن الأماكن كلها اشتاقت لنا ،و سنزورها قريبا ..؟. لكن بعد الأرقام الصادمة للإصابات بعد عيد الأضحى ، قلبت تفاؤلي  إلى تشاؤم. حيث وصلنا  إلى أكثر من34 ألف إصابة، ومعدل الإصابة التراكمي تجاوز91 في كل مئة ألف نسمة ؟؟ فهل يعزى هذا الارتفاع الخطير إلى عدم انخراط المواطنين في التدابير الصحية ؟ أو هذه السلوكات نتيجة تراكمات سنين من إهمال بناء الإنسان الواعي المسؤول ، الذي يحترم قيم العيش ، تحت القانون ، والنظام ؟  أو المشكل أخلاقي تربوي ؟ أو الحكومة هي المسؤولة عن تغيير سلوك الناس؟. ربما الجواب عن السؤال الأول يغني عن الباقي . لأنه رغم التحذيرات ، وتجند كل القنوات التلفزية، والإذاعة صباح مساء ،من أجل  شرح ، وتوضيح واجب الاحتراز ؛ فأغلبية المواطنين لايهتمون . فلا تباعد اجتماعي، ولا ارتداء للقناع الواقي ؟ مما جعل  الحكومة تمدد  الحجر الصحي إلى 10 شتنبر 2020 ؛ و اجتمعت لجنة الداخلية ، والجماعات الترابية ، والبنيات الأساسية بمجلس المستشارين الجمعة 07 غشت 2020، وصادقت على مشروع مرسوم بقانون بتتميم المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة  الطوارئ الصحية ،وإجراءات الإعلان عنها  بما فيها إجبارية ارتداء الكمامات في الأماكن العمومية.
هل نحتاج لسنوات  أخرى من التربية ؟
متى نصل لمستوى شعب راق واع بوضعية  بلاده  ، ويساعدها على تجاوز الأيام الصعبة . فكل مايدرسه الإنسان ، ويتلقاه ، ويتربى عليه في الأسرة ، والمدرسة من مبادئ ينعكس على سلوكه ؛ إلا الإنسان المغربي لماذا ؟. هناك من يسخر ويقول :64 سنة من أنواع التربية ، ولم يتأثر ، وتريدون الآن أن يتربى على الكمامة في أسبوع ؟؟. وقبل الحديث عن الكمَامة ، لابأس من استحضار بعض أنواع التربية التي تصنع الإنسان المواطن :
التربية على الاختيار : بعد تخفيف الحجر الصحي ، الدولة اعتمدت على الشعب حتى يتحلى بالمسؤولية الفردية ؟ والشعب ينتظر الدولة حتى تقوم بعمل كل شيء له ؛ كأنه مسلوب الإرادة ،اتكالي . لماذا لأنه لم يتشبع بالتربية على الاختيار. وهذه الأخيرة أحد المداخل البيداغوجية لمرجعية مناهج التربية ، والتكوين ، وهي اكتساب القدرة على التمييز ، والمفاضلة الواعية بين مجموعة من الخيارات . وهي بذلك تستلزم مجموعة من المواصفات : كالاستقلالية ، والوعي بالذات ، والإحساس بالمسؤولية. وتشير الدراسات الحديثة أن الطفل قادر على الاختيار في مختلف مراحل عمره. لكن مع الأسف الأسرة عندنا تخذ القرارات دون إشراك الأطفال ، بل نلاحظ التدخل التعسفي للأسر في اختيارات أبنائهم حتى وهم شباب ؛ وهذا ما أعطانا اليوم مواطنا في حالة وصاية  ينتظر الآخر…
التربية على البيئة : تكسب الأفراد مجموعة من الاتجاهات ، والقيم ، ومشاعر الاهتمام بالبيئة  ، وتسهم في تطوير المهارات ، والخبرات اللآزمة لمواجهة التحديات  لاتخاذ قرارات مستنيرة . فهل خلقت هذه التربية  أفرادا متشبعين بالحس البيئي ؟ هل التزم الجميع  بالعمل للحفاظ على البيئة ؟ هل يعملون على حماية الطبيعة من حولنا ، وغرس القيم الخضراء ؟
التربية على السلامة الطرقية :هي نهج تربوي لتكوين الوعي المروري  ، من خلال المعارف ، والمهارات ، والاتجاهات التي تنظم سلوك الفرد ، وتمكنه من احترام القوانين ، وقواعد المرور بما يسهم  في حماية نفسه ، والآخرين . فهل عندنا مواطنون ملتزمون  بالقوانين ، والانضباط الطرقي ؟ المغرب في مقدمة الدول العربية على مستوى حوادث السير ؟
التربية على حقوق الإنسان : والتي  من خلالها تستطيع تمكين نفسك ، والآخرين من تطوير مواقف تعزز المساواة، والكرامة ، والتسامح ، وقبول الآخر في مجتمعك ، وفي العالم . فهل المغاربة يمارسون المساواة ؟ هل لديهم شعور باحترام الذات ، واحترام الآخرين ؟ هل يحلون النزاعات بطرق سلمية دون عنف ؟، هل تنعكس المبادئ ، والقيم  في سلوكاتهم ؟
رغم أهمية هذه المكتسبات ، فإن الواقع يكشف جملة من الاختلالات التي تتجلى في سلوكات أغلبية المغاربة  ؛ كأنهم يعيشون عسرا كبيرا في هضم ثمرات أنواع التربية ، وعاجزين عن الاندماج في السياق الاحترازي الذي تعيشه بلادنا ، وتتطلب منا إجراءات بسيطة لكنها مساعدة  في منع انتشار الوباء ومنها ارتداء القناع الواقي (الكمًامة)الذي أرجو أن تصبح ثقافة عند الجميع .، وننجح في التربية على الكمامة.
فرضت عدة دول ارتداء الكمًامة في الأماكن العامة كوسيلة وقائية لمنع انتشار  وباء كورونا ،كما فرضها المغرب حيث تم التنصيص  في المادة 4 من المرسوم على عقوبات حبسية تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر ،وغرامة مالية تتراوح بين (300و1300 درهم) في حق كل شخص لا يتقيد بالقرارات الصادرة من السلطات العمومية ، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ  ، بما فيها إجبارية ارتداء الكمامات . وعدم ارتداء الكمامة يدخل ضمن الجرائم المصنفة ضمن الجنح الضبطية (...)، وبعد تنزيل هذا القانون نلاحظ أن غالبية الذين يرتدون الكمامات خوفا من الذعيرة أكثر من خوفهم على صحتهم ،وحماية أنفسهم ، والآخرين ومن المشاهد السلبية  أينما حللت تجد الناس لايضعون الكمامة بطريقة صحيحة ؛ إما يضعونها  على الذقن عوض الأنف ، والفم ، كما أن بعض زبناء المتاجر الكبرى لايرتدونها ، ولايحترمون مسافة الأمان. والمتهاونون الذين لايلتزمون لأسباب منها  : أن الكمامة تمنعهم من التنفس ، وهذه معلومة مغلوطة طبيا لأن مستوى تشبع الأكسجين لايتغير ، والكمامات لاتقل من مقدار تشبعك بالأكسجين؛ بل تساعدك على حماية نفسك ، وحماية الآخرين من جانبها  أيضا أوصت منظمة الصحة العالمية بضرورة ارتداء الكمامة للمساعدة على الحد من انتشار الفيروس . لكن الملاحظ هو تراخي السلطات ، وعدم الصرامة في تطبيق القانون فلماذا  لا نتقيد بالإجراءات ونتربى ونتعود على ارتداء الكمامة وقاية لصحتنا ،وليس خوفا من القانون .
التغيير يبدأ منا
فيروس كورونا  مازال بيننا ، وبما أن اللقاح غير متوفر ؛ علينا التعايش معه باتباع الصرامة في الإجراءات الوقائية، ونرتدي الكمامة حتى تصبح تربية وسلوكا يوميا . فالتغيير يبدأمنا نحن، وإلا سنظل في حالة طوارئ دائما إلى الأبد... أليس كذلك؟