مجتمع وحوداث

انتفاضة المجتمع المدني بالمحمدية ووقفة احتجاجية في الأفق... من المحمدية إلى بوزنيقة لم يعد البحر كما كان!

عبد الكبير المامون

من المحمدية إلى بوزنيقة، لم يعد البحر كما كان، فقد طبيعته، وتشكل جدار إسمنتي بينه وبين العموم، فالعابر للطريق الساحلية يصطدم بمشاريع إسمنتية لا ذوق سياحي فيها، وتوزع السطو على ممرات العموم نحو البحر بين أفراد شيدوا إقامات، ووضعوا كلابا تروع العابرين، وبين مشاريع سياحية سطت على الطرقات وجرفتها، وحولت جزء من البحر إلى مسابح خاصة، وعمد مضاربون في استغلال الملك العمومي، إلى تحويل كل شبر من الشاطئ إلى نقطة ابتزاز، بدء من مواقف السيارات، إلى رمال الشاطئ، والعبارة الجاهزة، «خلص والا تكمش»، تعكس سطوة الخواص على العوام في الملك العام.
ممنوع أسيدي تدخل …. باش من قانون؟. هاذا اعتداء على حق دستوري. الحوار القصير دار بين أستاذ هاو لـ«الصنارة» وحراس وضعوا على مدخل شاطئ لافاليز، وفي الخلفية قرار اداري يحظر دخول شاطئ "لافاليز" بالمحمدية، والهدف المعلن هو تدبير الشاطئ حفاظا على أمن رواده من جهة وعلى أمن السكان الذين سبقوا وأن رفعوا شكايات إلى السلطات المحلية تثير التشويش الذي يتعرضون إليه بفعل ممارسات بالشاطئ المذكور.
فبعد سنوات على المعركة التي خاضتها جمعيات المجتمع المدني بكل من بوزنيقة والمحمدية للدفاع عن الشواطئ التي تعرضت لاحتواء غريب من قبل خواص بالشريط الساحلي الممتد من المحمدية إلى بوزنيقة، ظهرت حالة تدخل لمنع رواد مجموعة من الشواطئ  من ولوجها، بل ولم تتراجع سطوة بعض الخواص الذين سيطروا على طول هذا الشريط الساحلي، على ممرات الولوج بعد تشييد العديد من الإقامات الشاطئية التي غيرت الوجه الطبيعي للشواطئ، واستنبات العديد من الكتل الإسمنتية التي غطت وجه الشاطئ.
هجوم منظم بالشواطئ
منذ المعركة الشهيرة التي خاضها المجتمع المدني ضد خوصصة مخيم الهرهورة، بدا أن المحاربين على جبهة احتلال الشواطئ ومحيطاتها لن تتوقف، الفاعلون كما أظهرت الصراعات فيما بعد، ليسوا أناسا عاديين، بل توزعوا بين أصحاب النفوذ المالي والسلطوي، أسماء معروفة في عالم السياسة والاقتصاد، وشخصيات نافذة في السلطة، توجد أسماؤها أو أسماء أقاربها على قائمة الاحتلال المؤقت للملك العمومي البحري، والذي تحول بعد سنوات إلى ملكية خاصة تباع وتشترى بملايين الدراهم.
المعركة الأولى التي لبست ثوبا قانونيا، لم تثر كثير جدال على اعتبار أن المستفيدين احترموا بشكل عام قواعد احتلال الملك المؤقت، ومن الصعب دستوريا حرمان مواطن من حق التقدم بالاستفادة، لكن مع مرور الوقت، انتقل البعض منه إلى معركة ثانية تتعلق باستدامة هذا الاستغلال وتحويله إلى ملكية خاصة، فتحولت الشاليهات والإقامات الشاطئية إلى بنايات إسمنتية كبرى، سواء المطلة على البحر أو البعيدة عنه.
وفي خضم هذا التسابق المحموم، ظهرت عينة من المضاربين، الذين حولوا الإقامات القريبة من البحر إلى مجال خاص، قاموا من خلاله بتمديد البنايات في كل الأطراف، وتحولت الممرات إلى مسالك ضيقة جدا، بل وتتحول في بعض منها إلى ما يصفه سكان المنطقة بـ«ممرات الحلوف» الضيقة جدا والمكسوة بأغصان النباتات، مما يجعل من عمليات العبور محنة للعموم.
العديد من الإقامات التي استلذ أصحابها التهام الملك البحري، زرعوا فيها كلابا تجعل العبور من هذه الممرات عملية مخيفة مما يجعل العديد من الوافدين على الشواطئ  يتجنبونها، ليخلو المجال لأصحاب الإقامات في تمديد استعمارهم للملك البحري، في نوع من التواطؤ الضمني بين السلطات الموكل إليها حماية الشواطئ، من خلال استغلال عدم استعداد العديد من الوافدين للدخول في صراعات، ومتابعة الشكايات التي غالبا ما تنتهي في سلة المهملات.
السلطات المحلية بكل من ابن سليمان والمحمدية تنفي تهمة التواطؤ وتتذرع بحجم التدخلات التي قامت بها لمنع عمليات بناء غير قانونية، لكنها في نفس الوقت تتذرع بغياب التعاون بين المتضررين، حيث يكون الصمت في بعض الأحيان عاملا مساعدا على فرض أمر واقع، لا يمكن للسلطات أن تتداركه بواسطة إمكانيات بشرية محدودة.
تدرج في العشوائية
على طول السنوات الأخيرة بالشريط الساحلي الممتد من مدينة المحمدية إلى مدينة بوزنيقة مرورا بالجماعة الترابية المنصورية بإقليم ابن سليمان تنوعت أساليب عمليات الترامي والتفويت غير القانوني للأراضي التابعة للملك العمومي البحري و الملك الخاص للدولة والملك  الغابوي، وظهرت معها سلوكات منع المرور إليها عبر إغلاق الطرقات المؤدية إليها وإتلاف بعضها، والقضاء على المتنفسات العمومية وإقامة المباني العشوائية عليها والمتاجرة فيها بالملايين من طرف شخصيات نافذة في السلطة وبعض المنتخبين كما جاء أيضا في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012.
وإمعانا في تجسيد هذه السياسة المعادية للحدود الطبيعية للشواطئ تم ضم شواطئ بكاملها إلى بعض المشاريع السياحية وتغيير معالمها الطبيعية، دون احترام للقوانين الجاري بها العمل ودون احترام أحقية العموم في المرور لهذا الملك الذي تتم خوصصته ضدا على حق الجميع في الاستفادة منه، وذلك في ظل صمت لسلطات الوصاية التي يتهمها البعض بأنها باركت هذا السلوك ببعض المناطق وهو ما شجع المستفيدين من هذه العمليات وآخرين من الاستمرار في الإجهاز على أحقية العموم في هذا الملك وفي واضحة النهار.
«سعد» وهو اسم مستعار لمستشار لم يكل من الحديث عن «المؤامرة» التي تستهدف هذه الشواطئ، وفضل عدم ذكر اسمه للتهديدات الجدية التي تعرض لها طيلة هذه السنوات من المقاومة، يشرح كيف انتقلت هذه الممارسات من حالة التخفي التي كانت تمارس تحت جنح الظلام، وحين تملك المضاربون الجسارة اللازمة انتقلوا بعد انتهائهم من عمليات الترامي والبناء  وبإيعاز من المسؤولين إلى المطالبة بتسوية الوضعية أو الأمر الواقع الذي فرضوه طيلة سنوات.
وجدت مصالح  وزارتي التجهيز والمالية (الأملاك المخزنية) نفسها إزاء واقع جديد، يفرض سلك مساطر قانونية معقدة، والنموذج الذي يقدمه بالمنصورية وبالشاطئ الجنوبي لبوزنيقة خير دليل على ذلك.
والهدف غير المعلن هو فرض الأمر الواقع للتجزئة العشوائية التي أحدثت بشاطئ الصنوبر، بل إن مسؤولين متهمين تحولوا إلى خصم وحكم في العديد من هذه القضايا، فالمسؤول عن إحداث التجزئة يطالب بعد فرضها إلى طالب بتسوية وضعية هذه البنايات العشوائية التي أقدمت شخصيات نافذة بالسلطة ومنتخبين من الإقليم وخارجه على إقامتها  بشاطئيها الجنوبي والشمالي.
ثلاثة شواطئ تتعرض لتكالب المال والسلطة
شاطئ الداهومي كان مسرحا لأبشع عملية احتلال للملك العام والخاص، حيث تمت المتاجرة في البقع الأرضية من طرف مجموعة من المنتخبين عبر وصولات وقرارات استفادة من هذه البقع، قبل أن تصل القضية إلى القضاء حيث تم اعتقال مجموعة من أعضاء المجلس الجماعي  وآخرين، والشاطئ الجنوبي لبوزنيقة حيث تم الإجهاز على منطقة شاطئية  بكاملها وإقامة مبان عشوائية عليها تتكون بعضها من ثلاثة طوابق وفيلات وشاليهات من طرف أشخاص مسؤولين في السلطة بالإقليم والإدارة المركزية لوزارة الداخلية كان من المفروض فيهم حماية هذا الملك إضافة إلى منتخبين من بينهم رؤساء جماعات وبرلمانيون ومقربون من السلطة.
هذه الوضعية تركت الشاطىء الذين كان يطل على البحر من خلفية طبيعية مميزة يتعرض للتعري، وتحول الإسمنت إلى مجال للقبح، ووجد الوافدون على الشاطئ أنفسهم في مواجهة وضع جديد، أهم ما يميزه هو الرغبة في تملك الشاطئ، من خلال التضييق على العموم، واعتبار الاقتراب من الإقامات نوعا من التعدي على الخصوصية.
وبالشاطئ الشمالي التابع لنفس الجماعة اكتسح الإسمنت حتى المنافذ المؤدية للشاطئ وأقيمت المباني مباشرة فوق رمال البحر في تحد سافر لكل القوانين، واستهتارا بالسلطة الوصية على الملك، والتي غالبا ما تبقى بعيدة، في غياب أدوات الردع الممكنة، وبذلك تشكل وضعا قضى على جمالية الشاطئ، شأنه في ذلك شأن شاطئ الصنوبر «دافيد».
وبشاطئ «سابليت» الجنوبي التابع لنفس الجماعة، تحولت عمليات تفويت الاستغلال المؤقت للملك العمومي إلى فوضى، وتعرض العديد من المصطافين إلى تعنيف من قبل حراس المحلات المكترية، والذين مددوا سلطاتهم إلى حدود مياه البحر، ومنعوا المصطافين من استغلال رمال الشاطئ، وتبدو الصورة عبثية لدى أصحاب المقاهي المنتشرة به بالشاطئ، حيث يستغلون مساحات من الشاطئ تتراوح بين 600 و 1800 متر مربع مقابل مبلغ مالي، تفيد مصادر من داخل الجماعة إلى أنه جد هزيل.
المبلغ الذي لا يتجاوز 750 درهما في بعض الأحيان، كان مثار ملاحظات لجهات أخرى، فالمديرية الإقليمية للتجهيز ومديرية الموانئ والملك العمومي البحري حسب نسخ من رخص الاحتلال التي نتوفر عليها، تعتبره مجرد إتاوات دراسة طلبات الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام البحري بالشاطئ المذكور، حسب نصوص قرارات الرخص،  ويبررون إقدامهم على ذلك بحصولهم على تراخيص قانونية من المديرية الإقليمية للتجهيز من أجل الاحتلال المؤقت تبيح لهم استغلال الشاطئ ويؤدون مقابلا عن ذلك.
هذا التفسير للقانون جعل مثل هذا الشاطئ يتحول  إلى ملكية خاصة ممنوعة على العموم  من طرف بعض أصحاب المقاهي والملاهي الليلية المنتشرة به، والذين يلجؤون إلى فرض نظام حماية يستغل أسماء من المسؤولين توفر لهم الحماية وتضع عراقيل في وجه الشكايات التي تثار ضدهم، وحين يتم تركيع الجميع تبدأ عمليات التوسع دون أن يتعرضوا للردع.
وحين تضطر السلطات إلى تنفيذ أحد القرارات التي تكون مصادفة لاحتجاجات، سرعان ما يتم التراجع عنها، ومن بين النماذج على ذلك ما يحكيه مسؤول بالاقليم رفض الكشف عن هويته ، من أن عامل الإقليم محمد فطاح اتخذ في عهده قرارا يقضي بإغلاق مقهى مشهورة بالمنطقة، كانت العديد من الشكايات تتبرم من الأجواء المشحونة التي تخلقها، وحين أقسم صاحب المقهى أمام عدد من الحاضرين على إعادة فتحها لم يأخذه البعض على محمل الجد.
وحين أعيد فتح المقهى، تأكد الجميع أن تطبيق القانون يحتاج لكثير من الوضوح، وبعد تحقيق التحدي يكون الباقي سهلا، وما الوضعية التي أضحى عليها الشاطئ بعد إعادة فتح المقهى سوى صورة مصغرة لما تعيشه جل شواطئ المنطقة.
فتوات الشواطئ تغتال الحق العام
«كلشي بلخلاص» الأمر لا يتعلق بمطلع أغنية شعبية، بل هو حقيقة مرة يعيشها رواد الشواطئ قبل ولوجهم إليها، فالمداخل تم احتلالها من قبل أصحاب الإقامات الخاصة، ومواقف السيارات وضع لها أصحابها أسعارا مزاجية، بعلة غلاء كرائها من قبل وسطاء وسماسرة، وحين تتم عملية الولوج إلى الشاطئ يبدأ مسلسل الابتزاز، انطلاقا من الموائد والكراسي و المظلات والأسرة الصيفية  التي احتلت معظم المساحات الرملية الممتدة من أبواب هذه المقاهي إلى حدود مياه البحر.
وبالرغم من كون العديد من الشواطئ تتسم باتساع محيطها، الذي يسمح بممارسة هوايات رياضية مختلفة، دون السقوط في التضييق على الجالسين من المصطافين، إلا أن احتلال هذه المسافات قلص مساحة الشواطئ إلى ممرات ضيقة بهذه الشواطئ، التي يعاني فيها المصطافون من التضييق الكبير على حقهم في الاستفادة من رمال ومياه البحر، وتتعاظم المشكلة حين يكون مد البحر مرتفعا.
تصريحات مجموعة من المواطنين كانت عبارة عن استنكار عميق لهذا الوضع، فالعديد منهم استنكر هذا الاستعمار للشاطئ، واعتبر عملية استرجاعه للناس معركة يجب خوضها، وبالنسبة للعديد من الوافدين على الشاطئ ، هناك مبالغة في استغلال جزء من الشاطئ لتوفير خدمات مطلوبة، سواء المقاهي أو غيرها، لكن أن تتحول العملية برمتها إلى قرار فوقي يلغي حق استفادة العموم من رمال ومياه البحر، فـ«هذا منتهى الشطط» كما يقول أحد المصطافين.
الجلوس على الرمال أصبح بالأداء، تلك حقيقة تجسدت في هذه الشواطئ، لأن  احتلال مساحات كبيرة، يجعل استغلالها يمر عبر أداء ثمن الطاولة والمشروب والمظلة والكراسي، وإلا سيكون المتاح في مثل هذه الحالات موضع «فوطة» قد تتعرض لهجوم مياه البحر، وقد تقوم عصابات النشل المنتشرة بالواجب، حتى يجد من يختار التمرد على قانون المضاربين نفسه في ورطة.
الابتزاز سياسة منظمة، فإذا لم تكن مستعدا لفقد سيارتك أو جزء منها، فما عليك سوى الانصياع لحراس السيارت وعدم مناقشة الأثمنة المفروضة عليك، وحين تلج الشاطئ عليك بأداء ثمن الكراسي والمظلة، وإلا فإن مصيرك على حافة المياه، وبممرات ضيقة تتحول عند الاكتظاظ إلى مكان جذبة قد تفقد فيها أحد أطرافك.
ولكي تستفيد من أشعة الشمس في هدوء، ولكي تتناول جزء مما تجلبه للتخفيف من العطش والجوع عليك بحجز المكان الذي ترسمه حبال أصحاب المقاهي التي ترسم حدود الخاص والعام، وهو وضع يتعايش معه الناس في غياب أي تحرك جماعي، ودرء لسطوة أصحاب المقاهي، الذين يبادرون إلى إهانة من تجرأ على الحديث عن هذا الوضع، لتبقى الصورة السائدة فتوة وعربدة منظمتان لحرمان الناس من الحق في الاستفادة من شواطئ بلا قيود.
السؤال الذي يبقى مشوشا هو حول الجهة التي تمنح هذه الترخيصات التي يتم استغلالها لممارسة سيل من التجاوزات، ففي كل مرة تحتج مثلا على حارس سيارات بسبب ارتفاع ثمن الركن لفترة وجيزة، يجابهك الحارس بالتذكرة الممهورة أو برخصة حمل شارة الحراسة، والجواب على ذلك يوجد في تصريحات موظفين يؤكدون أن هذه التراخيص عادة ماتتم في ظروف غير سليمة، تفتقد للدقة الإدارية وللشفافية، بل قد تتم في غياب موافقة السلطات المختصة.
مضامين الدورية الوزارية المشتركة والموقعة بين وزيري التجهيز والداخلية والصادرة بتاريخ 08 يونيو 1998 تحت عدد 84 موضوعها تدبير الشواطئ والمحافظة عليها من طرف الجماعات المحلية هي الأصل في كل ترخيص، وينص إجراؤها الأول على وضع الشواطئ العمومية رهن إشارة الجماعات المحلية، وأن يتم الترخيص بالاحتلال المؤقت بموافقة الجماعات، كما تخول الدورية للجماعات المحلية الحق في التدبير وتسليم الخواص رخص الاحتلال المؤقت شريطة احترام مجموعة من الشروط  ومن بينها تخصيص 70 في المائة من المساحة الكلية للشواطئ للعموم وبصفة مجانية، و30 في المائة المتبقية يتم تخصيصها للأنشطة التجارية والترفيهية بترخيص من الجماعات المحلية مقابل مبالغ مالية سنوية حسب المساحات المرخصة لفائدة ميزانيات الجماعات المعنية.
كل هذا التنصيص القانوني يتلاشى، وتتحول الرخص العشوائية إلى ممارسة ارتجالية ومزاجية، فيتحول نصيب العموم من الشواطئ من 70 في المائة من مساحة الشاطئ إلى مساحات ضيقة لا تتجاوز 5 في المائة من هذه المساحة، في الوقت الذي يتم فيه الاستيلاء على باقي المساحة، بدءا من ممرات العبور إلى الشاطئ مرورا بتمديد محيط المقاهي بالكراسي والمظلات إلى حدود مياه البحر، ثم تسييج كل ذلك بالحبال، ومنع العموم من المرور في احتكار شامل للشاطئ.
مأسسة الترامي على الملك العمومي
لم تعد عمليات الترامي على الملك العمومي بالشواطئ الممتدة من المحمدية إلى بوزنيقة وحرمان العموم منها تقتصر على أشخاص ذاتيين، بل امتدت إلى المشاريع السكنية الكبرى التي أقيمت وتقام على هذا الشريط الساحلي والتي التهمت بعضها شواطئ بكاملها تمت خوصصتها لفائدة ساكنة هذه المشاريع  وحرمان العموم من المرور إليها عبر إتلاف معالم الطريق التي كانت تربط بين شواطئ بوزنيقة والمنصورية والمحمدية  كما هو الحال بشاطئي القمقوم وشاطئ «سابليت» وبوزنيقة.
الانعكاسات السلبية لهذا السيل من الخروقات في التعامل مع فضاءات الشواطئ، وهذا النهم على استنبات الإسمنت بمحاذاة الشواطئ، وتحويل تملكه إلى أداة ضغط على السلطة المحلية لفرض قواعد تدبير قد تتنافى والحق الدستوري للعموم، وهو ما ظهر جليا في شاطئ لافاليز بالمحمدية الذي أصبح العبور إليه ممنوعا.
أن تتحول هذه المشاريع التي حجبت الرؤية عن الشواطئ إلى قاعدة لضرب حق دستوري مكفول للعموم. هو العيب بعينه، والحقيقة أن إطلالة على واقع الشاطئ اليوم تؤكد وجاهة احتجاج العموم على الخواص، فالعديد من  المشاريع أصبحت تحجب عن مستعملي الطريق الساحلية رقم 322 وسكان هذه المناطق رؤية البحر والتمتع بمنظره الممتد، بل أدى عدم تناسق المباني بهذه المشاريع، التي تفتقد للمسة السياحية، إلى تحويل مقدمة الشواطئ إلى مساكن عادية تتنافر وطبيعة الفضاء الذي توجد به.
العابر للشريط الساحلي المذكور تنتابه دوخة بسبب السرعة التي نبتت بها هذه المشاريع التي تشبه كثيرا مشاريع 200 ألف سكن مما أدى إلي تشويه جمالية هده الشواطئ وتغيير معالمها الطبيعية وإلحاق الضرر ببيئتها عبر إتلاف رمالها وإحداث مجاري للواد الحار وتحويل أودية طبيعية إلى قنوات للصرف الصحي تصب مباشرة في البحر ووضع الأطنان من مخلفات البناء على طول هذه الشواطئ.
فالمنطقة التي تتوفر على مؤهلات سياحية متميزة ومتنوعة هي في الأصل منطقة فلاحية، حولها طول شاطئها، الممتد على مسافة تناهز 20 كيلومترا إلى وجهة سياحية مغرية خصوصا بعد الاختناق الذي تعاني منه شواطئ الدار البيضاء.
ظهرت عدة محطات اصطيافية (شاطئ التلال، شاطئ القمقوم، شاطئ المنصورية وشاطئ الصنوبر) وشاطئ لافاليز   وغيرها.
وكانت هذه الشواطئ تعرف إقبالا مكثفا من المصطافين خلال الصيف. لكن الزحف الإسمنتي واحتلالات الملك العمومي البحري والأرضي وتدهور المسالك ولجوء بعض الإقامات إلى تحويل المياه العادمة نحو البحر، خلق وضعا عشوائيا قد يحول هذه الوجهة السياحية إلى مستنقعات. وبالرغم من توفر المنطقة على مساحة غابوية، تقدر بحوالي 1723 هكتارا في جماعة واحدة ، تتوزع أشجارها بين الصنوبر، الأوكالبتيس، الميموزا وأشجار أخرى ثانوية، إلا أن توظيف هذا المخزون ضاع مع سرعة التهام الوعاء العقاري لفرض صورة قبيحة عن منطقة كان من الممكن أن تتحول إلى لولؤة شاطئ بحري ممتد. فهل فات الأوان؟.