قضايا

النصب عن بعد!

اسماعيل الحلوتي

هناك اليوم إجماع شبه عام على أن مواقع التواصل الاجتماعي، تعد من بين أهم مظاهر التقدم العلمي والتطور التكنولوجي الحديث، وبات تحتل مكانة واسعة في حياة الناس، لما لها من إيجابيات كثيرة متى ما أحسن الإنسان استخدامها في الاتجاه الصحيح، لأهداف تعليمية أو اجتماعية أو اقتصادية وغيرها كثير ومتنوع. حتى أضحت من بين الضروريات الملحة التي لا يمكن بأي حال الاستغناء عنها، مع توخي الكثير من الحيطة والحذر، تفاديا للوقوع في بعض المطبات والمخاطر.

وبما أن الأنترنت فضاء شاسع يتسع لإبحار ملايين البشر من مختلف بقاع العالم دفعة واحدة، وكما أن مواقع التواصل هذه تمنح الناس فرصة التواصل بينهم، وتخطي الحدود وطي المسافات في أقل الأوقات، وتبادل الأفكار والخبرات والثقافات عبر العالم، وتنمية المعارف وتوفير فرص العمل عبر تصميم صفحات خاصة، والترويج لمختلف منتجات الاستهلاك والاستفادة من التجارة الرقمية...

فإن لها أيضا من السلبيات ما لا يعد ويحصى، لاسيما منها تلك التي تلحق أضرارا بليغة بالأشخاص من كافة الأعمار والطبقات الاجتماعية، من حيث الإدمان على استعمالها وآثارها على الحياة العامة، وانتهاك خصوصيات الآخرين. علاوة على أنها تيسر نشر الأخبار الزائفة وغير الموثوق بصحتها ومصادرها، وترويج الشائعات المغرضة وقرصنة حسابات الغير وابتزازهم والتشهير بهم وبأفراد عائلاتهم، والتجارة الوهمية التي يتم بواسطتها عقد صفقات "خيالية" دون القدرة على ملاحقة الجناة على مستوى القانون...

وبهذه المناسبة وفي إطار تصاعد حالات النصب والاحتيال عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبح يتعرض لها الكثير من الأشخاص خلال هذه السنوات الأخيرة، ارتأينا المساهمة بهذه الورقة لتسليط الضوء على أحدث الأساليب التقنية وأكثرها استخداما لإلحاق الأذى بالمواطنين في مجتمعنا كما في المجتمعات الأخرى عربية وغربية. حيث أن أساليب الغش والخداع في تطور مستمر وما فتئت اشكالها تتعدد وتتنوع حسب الظروف والملابسات. إذ هناك من النصابين والمحتالين من يعمدون إلى إيهام ضحاياهم بجوائز هامة حتى دون أن يكونوا مشاركين في أي مسابقة، عن طريق الادعاء مثلا فوز صاحب رقم الهاتف في "قرعة" داخلية، إما بمبلغ مالي أو شقة أو رحلة سياحية لشخصين أو عمرة وغيرها من وسائل الإغراء.

وهكذا يتم على سبيل المثال لا الحصر استدراج الضحية لأقرب فرع تابع لإحدى شركات الاتصالات، ومطالبته بتحويل مبلغ مالي لجهة معينة وإرسال رقم الوصل، للتوصل في الحال بقيمة الجائزة دون جدوى. كما أن هناك من يعمدون إلى تسخير قنواتهم الخاصة على موقع يوتيوب لعرض بعض الحالات المرضية تهم أشخاصا من ذوي الاحتياجات الخاصة أو في أوضاع هشة أو فبركة صور مؤثرة، بغرض استدرار عطف الناس واستمالتهم إلى الانخراط في التبرع بإرسال هبات ومساعدات للعناوين المقترحة أو الحسابات البنكية الخاصة، علما أن القانون المغربي يجرم التشهير بالمرضى والمعوزين وتلقي التبرعات المالية على حسابهم، ويحرم ممارسة مثل هذه الأعمال ما لم تكن مرتبطة بجمعيات ذات صفة الإحسان العمومي...

ومن بين أخطر أساليب المكر والخداع واصطياد الضحايا عبر الإنترنت، نجد أن هناك نوعا من الرسائل القصيرة التي يتم إرسالها لهم، غالبا ما تكون محملة برابط إلكتروني خبيث. وبمجرد تلبية المطلوب بالضغط عليه للوصول إلى المبتغى سواء كان موقعا أو مشاركة في التصويت على استفتاء ما، حتى يتمكن النصابوب من اختراق أجهزتهم والاستيلاء على بياناتهم الشخصية بكل يسر، ومن ثم استغلالها في تحقيق أهدافهم الدنيئة. كما أن هناك من المحتالين من يصل بوسائله الخاصة إلى البريد الإلكتروني لضحيته، ويشرع في التواصل معه على أساس أنه أرملة من آسيا أو المملكة المتحدة فقدت زوجها في حادثة انفجار طائرة، وأنها ورثت ثروة هائلة من مؤسسة التأمين، وبما أن حياتها في خطر بسبب الإصابة بحالة سرطان جد متقدمة، وقع عليه الاختيار للتصرف في أموالها، شريطة أن يعدها بتخصيص نسبة مائوية للأعمال الخيرية، وأنه يكفيه فقط تعبئة استمارة خاصة تتضمن جميع البيانات: العنوان الشخصي، رقم البطاقة الوطنية، رقم الحساب البنكي وغيره من المعلومات التمويهية، على أن يظل الأمر سرا بينهما. فضلا عن أن هناك من الحيل التي تستهدف الإيقاع بكبار السن، من خلال مختلف أشكال الإغراء الجنسي بعرض صور لنساء جميلات، أو عرض أدوية طبيعية بأثمنة رمزية تساهم في تجويد الممارسة الجنسية وغير ذلك من طرق الخداع والاحتيال.

إن النصب والاحتيال عن بعد عالم جد متشعب ويصعب الإمساك بخيوطه، ما لم يتوخ المبحرون الحيطة والحذر، حيث بات المجرمون أكثر تسلحا بأحدث الوسائل التقنية، وعلى أتم الاستعداد لاغتنام جميع الفرص المتاحة، والتي يمكن بواسطتها نسج قصص محبوكة بدقة، تساهم في إقناع ضحاياهم على الخضوع لرغباتهم وكسب المال بأقل عناء ممكن ودون أن يتركوا أثرا لجرائمهم الشنعاء...