تحليل

رقصة الديك المذبوح

لحسن الجيت

ولتكن كذلك. فالرقصة ليست دائما تعبيرا عن فرح فهي قد ترمز أحيانا إلى عكس ذلك للتظاهر بالوجود ومحاولة إثبات الذات لإثارة الانتباه. فالديك حينما تراه يرقص فهو ليس على ذلك الحال من شدة الفرح بل من شدة النزيف والألم يحتضر. ولعل ذلك هو المشهد الفلكلوري الذي توجد عليه اليوم جبهة البوليساريو. قادة الانفصاليين بعد أن انتابتهم مشاعر الإحباط واليأس يحاولون بإيعاز من كابرانات الجزائر أن يقامروا بآخر أوراقهم لنقل الصراع إلى داخل الأقاليم الجنوبية للمملكة. لكن ونحن نواجه هذا التحول، علينا أولا أن نستحضر ما هي الأسباب التي دفعت النظام الجزائري وأذنابه إلى أخذ منحى مغايرا في هذا العدوان المتجدد. ثانيا يجب كذلك أن ننتبه إلى الأبعاد السياسية والأمنية التي من الممكن أن تترتب عن هذا النزاع المفتعل والتي يخطط لها كذلك أعداؤنا لجر المغرب إلى مربعاتهم، مما يقودنا إلى البحث عن السبل الكفيلة لمواجهة هذا الوضع مع الحرص الشديد على إبقاء مصداقية المغرب لدى كل الأطراف الإقليمية والدولية، وكذلك إبقاء النزاع في حدود تلك المعادلة كما نريدها نحن لا كما يريدونها من خلال الأجندة السياسية الجديدة التي كلفت بها أميناتو حيدر.

الأسباب الكامنة من وراء هذا التحول:

1 ـ مما لا شك فيه أن النظام الجزائري يعيش حالة امتعاض من انسداد أفق مشروعهم السياسي العدواني تجاه المغرب. فالكابرانات راهنوا كثيرا على مخطط أممي قوامه تقرير المصير من خلال استفتاء، وكانوا مع مجيء كل مبعوث أممي يمنون النفس كل مرة أن يوضع المغرب تحت المكبس، وأن تتراجع الأمم المتحدة عن قراراتها التي اتخذتها منذ عام 2007 بتأكيدها كل عام على نجاعة الحل السياسي كمخرج وحيد لهذا النزاع المفتعل. ومنذ ذلك الحين والوضع الحالي على ما هو عليه يثيرهم كونه ليس في صالح أطروحتهم وهو ما يعني لهم بالضرورة أن المغرب في هكذا وضع يزهو في موقف محسود عليه. ولعل ذلك ما دفع هذا النظام إلى تغيير شكيمة حصانه في اتجاه خلط الأوراق لتغيير قواعد اللعبة وبالتالي وضع المغرب في مأزق سياسي وقانوني في الوقت نفسه.

2 ـ نظام الكابرانات سئم من تواجد المحتجزين في مراكز الاعتقال بتندوف بحكم الضغوطات الداخلية والدولية. وقد كلفه ذلك ثمنا سياسيا قبل أن يكلفه ثمنا ماليا على حساب القوت اليومي للشعب الجزائري الشقيق. وكما يبدو أن النظام الجزائري أراد أن يتخلص من هذا العبء من دون أن يفضي ذلك إلى أية خسائر في مواجهته مع المغرب. ولذلك، ارتأى نظام الثكنات هذه المرة أن ينقل المعركة خارج حدوده إلى داخل المغرب لكي يبعد نفسه عبثا عن قفص الاتهام وليوهم بأنه ليس طرفا رئيسيا في النزاع وهو الموقف الذي يستند عليه المغرب في معركته الدبلوماسية الناجحة. وإذا كان هذا النظام كما يدعي أو يتنكر بأنه ليس طرفا في النزاع فكيف يمكن له أن يفسر للرأي العام الجزائري والدولي وهو يسخر آلته الدبلوماسية لخدمة هذا الملف وليس غيره. فالبارحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي خطاب له، يعاتب الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون المنتظم الدولي بالتراخي وبعدم الحسم في مسألة تعيين مبعوث أممي جديد لهذا النزاع. وهذا مطلب يتجاوز من يقول إنه طرف داعم ومساند في حين لا يقوم به إلا من يرى في نفسه أنه هو بالفعل صاحب القضية والمعني مباشرة بهذا الملف.

3 ـ هذا التحرك المشبوه أريد له من طرف النظام الجزائري أن يتزامن كما جرت العادة مع انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة بنية استصدار توصيات تأخذ بعين الاعتبار جزءا من الأطروحة الجزائرية المتهالكة التي أصبحت متجاوزة لما يزيد عن عقد من الزمن سواء على مستوى الجمعية العامة أو على مستوى مجلس الأمن الدولي.

4 ـ إن حكام الجزائر الذين كان همهم دائما هو إقصاء المغرب من أي دور في حل نزاعات المنطقة لكي تستقر على أيديهم الريادة الإقليمية ويظهروا أنفسهم على أنهم المخاطب الوحيد في هذا الركن من العالم، هؤلاء الحكام باتوا على غير هدى من أمرهم وهم يرون الدبلوماسية المغربية تستعيد أدوارها وأوراقها السياسية بكل مصداقية لفض بعض النزاعات في المنطقة والتي أرادت الجزائر أن تبعد المغرب عنها. ولعل ذلك الحضور المغربي القوي في الأزمة الليبية وفي أزمة مالي هو الذي أثار حنق وجنون النظام الجزائري لكي يحرك بيادقه من مرتزقة البوليساريو في محاولة يائسة لإلهاء المغرب في مربع ضيق لا يتجاوز حدود صحرائه.

الأبعاد الأمنية والسياسية لتغيير طبيعة النزاع:

هذا التحول الذي يريده رجال النظام الجزائري يندرج في سياق صراع شدوا من أجله كل الرحال لخنق المغرب، بغية إشعال بؤر للفتنة الداخلية ومواجهات أمنية تبنى عليها تبعات سياسية لكي يساءل عنها المغرب في المحافل الدولية.

1 ـ على المستوى العسكري والأمني، يبدو أن السيناريو الذي تراهن عليه القيادة الجزائرية هو جر المغرب إلى مواجهات عسكرية في منطقة الكركرات التي دخلها بيادقة النظام الجزائري في خرق سافر للوضعية التي أسست لها الأمم المتحدة كمنطقة منزوعة السلاح. وقد أحسن المغرب صنعا وهو يشهد العالم كله على تلك التجاوزات وينتظر ردة فعل المنتظم الدولي في تفعيل وتنزيل مقرراته التي اتخذها من أجل الحفاظ على الأمن والسلم في المنطقة. وما يظهره حاليا المغرب من ضبط للنفس سوى من أجل فتح المجال أمام الأمم المتحدة للقيام بواجبها ولأن المسؤولية مسؤوليتها. والخيار العسكري هو خيار يجب ألا يتحمل فيه المغرب أية تبعات، وعليه أن يستدرج الطرف الآخر إلى الإيقاع به في الخطأ وجره إلى ارتكاب حماقة ضد القوافل التجارية المغربية في اتجاه الشقيقة موريتانيا حتى يكتسب المغرب شرعية للإقدام على أي خيار آخر.

ومن جهة أخرى، يبدو أن النظام الجزائري هو المعني بالدرجة الأولى بإحداث تشويش من حين لآخر في منطقة الكركرات ويسخر الانفصاليين فقط لخدمة أجندته لسببين، أولا إلى كون ذلك النظام يرفض أن يرى وجود ممر بري للتجارة ما بين المغرب وموريتانيا لأنه كلما زاد تدفق السلع المغربية كلما كان ذلك يصب في خدمة مصالح البلدين الجارين كما أعرب عن ذلك الإعلام الموريتاني. وهو الأمر الذي لن تقبل به الجزائر. ثانيا، ما يخطط له النظام الجزائري في منطقة الكركرات هو تمكين الانفصاليين من السيطرة عليها لتتحول إلى موطئ قدم يساعد الجزائر على الحصول على نافدة تطل على مياه المحيط الأطلسي.

2 ـ إن الهدف الأساسي الذي يرمي إليه النظام الجزائري من هذا التحول هو نقل المعركة كما قلنا إلى الداخل، وما استخدام ورقة أميناتو حيدر في هذا الصدد سوى استخداما سياسيا بامتياز، لإحداث نقلة نوعية في ذلك الصراع وإشغال الفتنة بنية إظهار بلدنا كأنه سلطة قمع واضطهاد وقهر للإنسان الصحراوي.

ويستند المخطط الجزائري في هذا الصدد على خلق فرع للقيادة الصحراوية الانفصالية في مدينة العيون بتأسيس هيئة غير قانونية تطلق على نفسها "الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي" ترأسها أميناتو حيدر، ويضع لها النظام الجزائري كل الدعم اللازم ماليا وسياسيا وديبلوماسيا. يدكر على أن أميناتو حيدر التي تآكل رصيدها على الصعيد الحقوقي اتخذت قرارا بتاريخ 2 شتنبر المنصرم يقضي بحل جمعيتها "كوديسا" تحت تأثير الضغوطات والمواقف الحاسمة لشيوخ وأعيان الصحراء، وكذلك بفعل حالة التمزق الداخلي لتلك الهيئة والمواقف المتضاربة بين أعضائها. وقد قررت أن تستعيض اليوم عن ذلك بمحاولة إيجاد نشاط سياسي لها من خلال الهيئة التي تريد أن تؤسسها في خرق سافر ومستفز للقوانين.

والواقع أن هذه المرأة التي تريد أن تنصب نفسها زعيمة لحركة انفصالية من الداخل تفتقد لشرعية التمثيل كما جاء في بيان رسمي لشيوخ الصحراء بعد أن اعتبروها أنها لا تمثل سوى نفسها. وأن الشرعية الحقيقية لتمثيل الساكنة هي للمجالس المحلية والإقليمية التي أفرزتها بشكل ديمقراطي صناديق الاقتراع في أكثر من محطة انتخابية. والثابت أن هذه السيدة تعد بالفعل صنيعة النظام الجزائري الذي يحاول إعادة إنتاج بوليساريو جديد بعد أن تآكلت مصداقية الحرس القديم. ولذلك، يجب مواجهتها في آن واحد عن طريق المجالس التمثيلية المنتخبة التي لها شرعية صناديق الاقتراع يؤازرها في ذلك شيوخ القبائل الذين لهم شرعية تاريخية وشرعية عشائرية، وكذلك يجب فتح المساطر القانونية والقضائية ضد أي نشاط لها يحاول النيل من الإجماع الوطني على المقدسات وفي مقدمتها الوحدة الترابية للمملكة. كما أن الأحزاب وهيئات المجتمع المدني مدعوة هي الأخرى أن تأخذ مكانها في هذه المعركة الوطنية بقيام أنشطة تحاصر الأنشطة المعادية وترك مؤسسات الدولة في منأى عن أي تدخل وبالتالي عن أية مساءلة لينحصر دورها في الحفاظ على الأمن والاستقرار.

ومهما كانت المكائد والمؤامرات التي تحاك ضد هذا البلد فهو محصن بأبنائه ورجاله، ومحصن بنظامه الملكي الضارب في القدم ومحصن بقيمه الديمقراطية، على عكس الدول المارقة القائمة على حكم الثكنات العسكرية. ولعل هذا الحال ينطبق عليه قوله سبحانه وتعالى "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". وليعلم النظام الجزائري أنه سيبقى ديكا يرقص ونحن نمتع النظر فيه وهو ينزف.