تحليل

الإسلام بين فكي الكراهية والتطرف

عبد اللطيف مجدوب

مرصد عام

الدماء التي سالت بجوار مجلة شارلي إبدو ، احتجاجا على الرسومات الهزلية المسيئة للنبي محمد (ص) ، وسلسلة التهديدات التي أعقبتها وكذا تصريحات الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون العاصفة بخصوص "أزمة الإسلام" ، أعاد إلى الواجهة مدلول حرية التعبير "المطلقة" كجزء من قيم فرنسا ، بيد أن حادث الأستاذ الفرنسي وإفراد طلاب قسمه ؛ من ضمن وسائله الديداكتيكية ؛ بنفس هذه الرسومات وغيرها مما تفننت فيه أيادي التيارات اليمينية المتطرفة ، يضعنا أمام إشكالية مركزية حول حرية التعبير ومداها ، وهل هناك حواجز قانونية تحد من مطلقيّتها Absulatism ( بلا قيد ولا شرط) إلى درجة التسيب والإساءة إلى مشاعر الإنسان ؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه إمعانا في كراهية وتحقير عقيدة سماوية يدين بها قرابة 2 المليارين وبنسبة 24,80 % من سكان العالم ؟

     في البداية لا يجب أن يغرب على بالنا أن الإسلام ليس المرة الأولى أو الأخيرة التي يتعرض فيها لألوان من التنكيل والعنصرية والتصفية والإقصاء .. لكن يبقى حادث 9/11 كمنارة مرجعية ؛ ما زال العالم الغربي يستلهمه في التضييق على الإسلام ، وإنزال أشد العقوبات المهينة في حق "أهله وحماته" ، فحمى التطبيع مع إسرائيل كشفت عن عدة أوراق ، كما أن تنظيم "داعش" أو بالأحرى صنيعة الصهيونية كانت بمثابة النبتة Plant  الخبيثة التي أثمرت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" Islamophobia وتوظيفها بالمخيال الجمعي الغربي ، وربطها دوما بمفاهيم صارت راسخة في المنظور الثقافي العالمي ؛ كالإسلام الإرهابي ، والإسلام الراديكالي ، والتطرف الإسلامي ، والإسلام السياسي ، وهي مفاهيم كلها تصب في خندق واحد هو "الإرهاب" .

تسطيح معالم الإسلام

   "التسطيح" ؛ لغة هو التعتيم والوقوف فقط عند المظاهر ، واصطلاحا هو اتخاذ مظاهر المواضيع والقضايا  مرتكزا في بناء المواقف والأحكام على الشيء ، بما يخالف أصوله ، فالعقيدة الإسلامية تناولتها ؛ في معظمها ؛ أقلام مغرضة أو مأجورة لتقديمها في صورة مشوهة ومدعمة بواقع إسلامي مريض ؛ تكالبت عليه التيارات الإسلاموية واجتهدت في اتجاهات طوباوية ؛ جردته من صفائه وطهره وقيمه النبيلة ، وقدمته كشكليات ومراسيم وأغراض تخدم ؛ بالأساس الطائفية والجماعاتية والتنظيمات الراديكالية .

هل لحرية التعبير حدود ؟ (نماذج)

عديد من الأنظمة الغربية تنص في دساتيرها على جملة من الحقوق ، منها حرية الرأي وحرية التعبير ، لكن قيدتها بشروط وقرائن ؛ تكاد في مجملها تفضي إلى معنى " تنتهي حرية التعبير عند حدود الإساءة للآخر" ، وهناك نصوص قانونية نرصد من خلالها عبارات "التنكيل" و"التحريض" ، "والمس بالمشاعر" أو "المعتقدات" ، وفي هذا السياق يمكن الإحالة على قانون للجمعية العامة للأمم المتحدة 11/11/2004 يقضي بمناهضة تشويه صورة الأديان ، كما أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا بمكافحة ازدراء الأديان بتاريخ 12/4/2005 .

كما تجب الإشارة إلى أن حكما صدر بالنمسا على "سيدة بتغريمها 480 أورو .. بتهمة الإساءة للرسول الكريم " ، بيد أن تطبيق هذه الترسانة من القوانين يكاد يكون مقصورا على بعض النوازل المتعلقة بالديانتين المسيحية واليهودية ، أما إذا تعلق الأمر بالإسلام أو التحريض على كراهيته ، أو إلحاق الأذى برموزه أو المس بشخص الرسول (ص) فيقع تجاهلها تحت مبرر "حرية الرأي والتعبير" ، والحال أن مجرد الحديث عن المحرقة النازية اليهودية أصبح محظورا مع تشديد عقوبات إثارتها ، تصل إلى حد "الشنق" والمصادرة والتهجير والاضطهاد .

الأخطر على الإسلام "أهله" !

أفرز الإسلام الراديكالي تيارات فكرية هوجاء ؛ ما لبثت أن انتظمت داخل جماعات وتنظيمات منبثة في كل أنحاء العالم ، بدءا بطالبان والقاعدة  والشيشان وبعض مناطق شمال إفريقيا ، ناهيك عن امتداداتها في كل من أوروبا وأمريكا ؛ تمثل في مجموعها التعصب الديني Religious Intolerance في أبشع صوره ، وحتى نقترب منه يكفي الإدلاء بهذه المشاهد :

* تشدد مفرط في محاصرة حقوق المرأة ، وإن كانت الميديا الرسمية تتشدق بانفراجات واسعة لصالحها ، فأكثر المضايقات تنفجر داخل الأسر حتى إن نسب الطلاق آخذة في الازدياد بشكل مهول غير مسبوق ؛

* ازدواجية عفنة تميز سلوكيات شريحة واسعة من "المسلمين" ، يتمظهرون من خلالها كأناس حداثيين عارفين بحقوق المرأة ، لكن إذا خلوا إلى أنفسهم خلف جدران الزوجية ألفتهم صقورا إن لم نقل وحوشا آدمية ؛

* معظم "المتأسلمين" من فئة الشباب حاليا تأخذه الحمية والغيرة عن الإسلام فقط عند "ويل للمصلين" فيتخذ من القشور والسلوكيات الظاهرة مرجعيته لتجريد سلاح الهجو والفتك والتصفية ؛

* تغلغل الفكر السلفي ، سيما في شقه الجهادي في أوساط الشباب من خلال وسائط التواصل الاجتماعي ؛

* ظاهرة "التكفير" تأخذ في التعاظم كلما صادفنا مجتمعات إسلامية مطبقة في الأمية والفقر والهشاشة .

لننتبه إلى هذه الصورة الفارقة

نظمت إحدى المؤسسات الإشهارية المختصة في تشكيل الملصقات الورقية مسابقة في اختيار أفضل نموذج في مواضيع حرة ، وكانت المفارقة أن بعض هذه النماذج الواردة تحمل رسما كاريكاتوريا سخرية بالمسيح عيسى (ع.س) فتم إقصاء صاحبه وتحميله تهمة الإساءة إلى المقدسات ، لكن من واجهة مضادة كما رأينا في نموذجي شارلي إبدو والأستاذ الفرنسي ، هناك ثقافة إسلامية مشبعة بالحقد ونبذ الآخر ؛ كثيرا ما تستخدم القتل والتصفية كإحدى وسائلها في التعبير عن "سخطها" وغضبها من الرسوم المسيئة للرسول الكريم ، بينما لو عادوا لتأمل السيرة النبوية لعلموا مقدار صبر هذا النبي العظيم على المكاره وصور الأذى التي تعرض لها من قومه فكان رؤوفا ورحيما وصفوحا مرددا ** لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ** .