فن وإعلام

كوكاس يحاول اللعب "في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر"

كفى بريس

كانت لحظة الحجر الصحي نقمة على العالمين، لكن ككل نقمة توجد في طياتها نعمة ما، الخلو إلى الذات، التفكير في الجوهر الإنساني بعمق أكبر، لنصمت قليلا لنرى الكون بعين قلقة، بلا غرور أو كبرياء.. ومن بين هذه النعم أن يواصل الكاتب والإعلامي المغربي مطالعتنا بجديده الذي اختار له هذه المرة عنوانا طريفا "في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر" الصادر عن دار النشر النورس في 168 صفحة من القطع المتوسط، وقد قدم له الدكتور محمد سبيلا الذي قال عن الكتاب: "لعل هذا الأسلوب المرح الذي يتحفنا به الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس، والذي يأخذنا بعذوبته اللفظية ويقذف بنا ضمن مراوحاته الدلالية المستطابة بين مراوغة الموت ومفاكهة العدم، قادر على أن يجعلنا نقتنص لحظات من ظلال المتعة الدفينة في أعماق هذه المأساة".. لذلك ينصحنا الأستاذ سبيلا بأن نستسلم لغواية قراءة المنتوج الجديد للإعلامي كوكاس لأن لا سبيل لمقاومة أسلوبه وطريقة عرض أفكاره، يقول: " مهما تكن صلبا وصمودا فإن أسلوبا فاتنا أخاذا كهذا الذي يكتب به ومن خلاله الصديق عبد العزيز كوكاس، سيعصف بك وسيقذفك إلى عوالمه الطربة والضاربة في أعماق الخيال، تطرب للحزن وتحزن للطرب، تأخذك المفارقات الدلالية واللفظية الجميلة التي يتسقّطها عزيز ببراعة صائد الدلالات المحترف، وعندما يتمكن منك الأسلوب وتتراخى مقاوماتك.. تجد نفسك وأنت تستلذ هذه الأطياف وتستطيبها وكأن هواء خلابا يداعبك مثل نسمات فكرية عذبة، تهب عليك من كل فج فتسلم عقلك وذائقتك الأدبية لتستمرئ هذه الألاعيب الدلالية المتموجة والتي تدرجك إحداها في أنشوطة الأخرى طالبا المزيد من هذه الغوايات المتراقصة حولك، فكلما أذعن ذهنك استمرأ الغوص في ثنايا هذا الهواء الخلاب المنسوج من رغباتنا وأحلامنا وأمانينا ومآسينا.. وعلى قمتها هذه المرة علاقتنا المرتبكة مع هذا البطل الجديد، هذا الإمبراطور الأسطوري الفتاك، العابر للقارات الذي أصبح من غير الممكن تجاهله والذي خلط واقعنا بمتخيلنا".

صاحب رواية "ذاكرة الغياب" و"سطوة العتمة" والنص الشذري المتميز "الصحو مثير للضجر"، وكتابه ما قبل الأخير الذي نفذت طبعته الأولى من السوق في ظرف أقل من ثلاثة أشهر من صدوره برغم أجواء كورونا، يواصل حفره في هذا الكتاب في قضايا شائكة ومحزنة ولدها فيروس كورونا المستجد، بين ثنايا الكتاب نقرأ مقالات عديدة من بينها:"شعب المناعة القوية في حضرة الإمبراطور "كوفيد" التاسع عشر"، "وصية لمواليد برج كورونا: رجاء لا تأتوا مسرعين إلى العالم، لا نريد ولائم للحداد! "، "هكذا حول فيروس كورونا الإنسان المعولم إلى فارس بلا وجود"، "فيروس كورونا يعيد السحر إلى قلب العالم وبضائع استهلاك الرفاه تفقد المعنى"، وغيرها من المقالات التي تحويها دفتي هذا الكتاب الصادر في طبعة أنيقة.

ما يميز هذا الكتاب أيضا هو رغم القيمة والفائدة والعمق الذي يقدم به عبد العزيز كوكاس تحليلاته الرصينة والعميقة فكرا ولغة، فإنه يتسم بالكثير من التواضع، يقول في تقديمه لكتابه: "ما خططته هنا هو محاولة لملامسة قضايا شائكة ومتشعبة، ما يشبه المسودة الأولى للتفكير العميق الذي أستحي أن أزاحم فيه ذوي الاختصاص من علماء ومؤرخين وسوسيولوجيين وأنثرولوجيين وفلاسفة وغيرهم.. هذه الكتابات التي جاءت من وحي فيروس كورونا، حاولت أن تمسك بالجوهري في سياق الحدث المعولم وإسقاطاته الرمزية والثقافية والسياسية والمجتمعية، في محاولة لوضع اليد على التغيرات التي من غير المستبعد أن يفرضها الفيروس التاجي على قيمنا الكونية.. لست مؤرخا ولا عالم أوبئة، ولست باحثا في السوسيولوجيا أو مختصا في دراسة التحولات البنيوية للمجتمعات البشرية السائرة نحو إعادة بناء إستراتيجية جديدة لأفقها... وإنما ككاتب ومحلل صحفي كنت معنيا بالتأمل ومحاولة ملامسة مركز التحولات التي من المحتمل أن يفرضها الفيروس التاجي على القيم والسلوكات والبنيات والعلاقات والأفكار".