قضايا

ريع الأخبار الزائفة

حسن بويخف

لا تتعامل منصات التواصل الاجتماعي بنفس المنطق والمنهجية والحزم مع الشعوب والدول في ما يتعلق بالموقف من انتشار الأخبار الزائفة. فالتوجه الذي حكمها في محاربة الأخبار الزائفة والإشاعات المتعلقة بالانتخابات الأمريكية الأخيرة يثقل كاهل مسؤوليتها على المضامين التي تروج بداخلها تجاه باقي المجتمعات والدول. ويجعل مسؤوليتها تجاه تدهور الثقة في الانتخابات وفي توجهات الرأي العام والمؤسسات، كبيرة.

وحسب النشرة الإخبارية (Revue du Social) (عدد 531) للموقع العالمي المتخصص في شبكات التواصل الاجتماعي والأنترنيت (WE ARE SOCIAL)، فهذه المنصات طلب منها، بمناسبة "الانتخابات الأمريكية المليئة بالدراما والاتهامات"، وقف نشر الأخبار الزائفة التي ترد، ليس فقط من الجمهور، بل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه. واستجابت المنصات بفعالية كبيرة.

وحسب المصدر نفسه، وضع "تويتر" رسائل تحذير على تغريدات دونالد ترامب "للتحذير من تصريحاته المضللة حول تزوير نتائج الانتخابات". وقام "فايسبوك" من جهته بإغلاق مجموعة (Stop the Steal) التي كانت تستعمل لتنظيم تجمعات للتشكيك في نتائج الانتخابات. ومن جهة أخرى قام "فايسبوك" و"تيك توك" بوقف الوُسُوم أو "الهاشتاغات" المرتبطة بنشر ما له علاقة بنظرية المؤامرة حول الانتخابات الأمريكية. وأوردت النشرة الإخبارية أمثلة عن ذلك، مثل (#stopthesteal) و(#riggedelection). وسحب "تيك توك" أيضا الفيديوهات التي تنشر معطيات كاذبة أو مزورة حول الانتخابات، والتي تم وضعها في حسابين معروفين بدعمهما للجمهوريين.

هذه الفعالية ضد ظاهرة تسارع توسع انتشار الأخبار الزائفة في مواقع التواصل الاجتماعي مطلوب تعميمها على الجميع، خاصة وأن عدة دراسات أكدت أن هذه المنصات ساهمت بشكل أساسي في "ثورة الأخبار الزائفة"، وأكدت قبل سنوات أن هذه الأخبار أقوى ست مرات من الأخبار الصحيحة في تلك المواقع، وأسرع منها انتشارا. كما أكدت الدراسات الخطورة التي تلعبها تلك الأخبار الزائفة في التلاعب بالرأي العام، بل وتوجيهه والتحكم فيه. وإذا أكدت الانتخابات الأمريكية شيئا جديدا في هذا المجال فهو تأكيدها من جديد خطورة الظاهرة على الديموقراطية، وأن صناعة الأخبار الزائفة قد يتورط فيها رؤساء الدول، والقادة السياسيون، والأحزاب، وأنها لا تقتصر على محاور تقليدية في صناعة الشائعات أو على سلوكات منحرفة لدى بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

إن جميع المؤشرات تؤكد أن الظاهرة في تفاقم متسارع، وأن تنافس منصات التواصل الاجتماعي، وجهودها في استقطاب أكبر قدر من المستعملين والحفاظ عليه يوفر الشروط المناسبة للنمو المتسارع للظاهرة. كما أن الأخبار الزائفة، لما توفره من إثارة، تستقطب الجمهور، وتنشئ ديناميكية استثنائية على مستوى التفاعل والتشارك في تلك المنصات، مما يوسع قاعدة مستعمليها، ويوفر لها أرضية الاستثمار الاقتصادي. مما يعني أن منصات التواصل الاجتماعي تستفيد من ريع الديناميكية التي تنشئها الأخبار الزائفة.

إن تلكؤ منصات التواصل الاجتماعي في محاربة ظاهرة الأخبار الزائفة والسعي إلى الحد منها بفعالية، قد يجد تفسيره في الريع الاقتصادي الذي تستفيده من الديناميكية التي تنشئها الأخبار الزائفة التي تروج فيها.

إن تلك المنصات تعلن في أكثر من مناسبة أنها تقوم بجهود لمحاربة الأخبار الزائفة، وتعلن عن مبادرات في ذلك، لكن الفعالية التي أظهرتها في محاربة الأخبار الزائفة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تقوم بمعشار ذلك خارجها، ولا تظهر تعاونا بينها، يرجح أنها غير جادة في محاربة الظاهرة بالشكل المطلوب، حفاظا على ريع اقتصادي قد يكون بمئات ملايير الدولارات.