تحليل

إفرازات الانتقالات السياسية

مصطفى غلمان

شكلت مؤخرا الانتقالات السياسية لبرلمانيين وفاعلين جماعيين وأعضاء أحزاب سياسية بجهة مراكش، مجالا جديرا بالجدل والنقاش. فبعد أن كان الانتقال من حزب إلى حزب وجها من وجوه البحث عن مرعى جديد وواجهة سياسية ونفوذ سياسي آخر، بات المصطلح الجديد للانتقال السياسي نمطا منفردا للتغيير والتأسيس الجديد والبحث عن أفكار ملهمة أخرى.

ويعتبر التأسيس لهذا الفهم الجديد للانتقالات علامة فارقة في خضم الصراعات والتجاذبات السياسية التي أضحت تشكل قيودا واحتكاكات داخل الجسم الحزبي الواحد، ما يمنح هامشا للبحث عن التزامات وتعاقدات أكثر انضباطا للواقعية المجتمعية، وتدبيرا لأزمة الخلافات الداخلية التي غالبا ما تؤدي إلى انقسامات واحتدامات تنظيمية وقانونية معقدة.

ومن وجهة نظري، فالذي وقع مؤخرا في مراكش هو أحد أوجه هذا الواقع. أحزاب سياسية فقدت شرعيتها الاجتماعية تبحث عن مسوغات براغماتية لتبرير الانتكاسة، وأخرى تتجاوز خطوط التماس بين كل ما هو اجتماعي واقتصادي، وتريد تجميع أهداف البدائل، انطلاقا من مستويات حضورها الإبداعي في تدبير أكبر الملفات حضورا في الوجدان الشعبي.

السياسيون الآن مقبلون على تغيير مواقعهم، لكن الأحزاب الأكثر اندماجا وانصهارا في النسيج المجتمعي هي التي تمنح فرصا أكثر قابلية لتجاوز إشكالات متاخمة للفعل السياسي من داخل المجتمع، بالرهان على شبابه وانشغالاته الجديدة وحوافزه المستقبلية.

الآن، يلزم إعادة صياغة مفاهيم البحث عن ظلال سياسية، أو حاضنة سياسية، أو حتى قفزة سياسية، فالوعي بالسياسة يمر عبر هذه الطفرات المفهومية، واحدة بإيقاع الفهم البراغماتي للسياسة، التي تلغي الفكرة والتاريخ والنمط السياسي والتنظيمي. والأخرى التي تعيد بناء الذات السياسية انطلاقا من تموقع بديل، وأفكار ذات أولوية في الصراع والمغالبة والدافعة الميكيافيلية.

وعندما يتجه أي سياسي لحرق قاربه، بعد عبور النهر، إلى قراءة التجربة وتقييم الأهداف، فإنه يوجه بوصلته نحو إفراز ممكنات جديرة بالتأويل والتسابق والاقتراب من روح الشارع.

ولا بد آنذاك من التحول بتفكير ومرجعية نقدية واعية بسياقات الحدث وتداعياته، وإلا كان نظره مجافيا للسنن والتحولات الكبرى في العالم والإنسان.

أريد أن أقول إن الانتظار لا يلزم أي تحول، ولا تحدد معه أوعية الزمن وتجاذباته، مهما كان الطريق موغلا في الضبابية، ومهما اجترأت الأحداث على فرض وقائعها أو منظومتها.

وإذا كنا اليوم نتحسس هذا التصور، ونشاطره على وجل، خيفة أن ننقاد إلى المجهول/اللامعنى، فإنه من الأجدر التنبيه إلى تشابه الزمن السياسي، واغترافه من فسيلة واحدة، ومن أرض فريدة، ومن شخوص يحملون الملامح نفسها، وكثيرا من علامات التشابه.

وجه الاختلاف ربما يماثل حجم تطور نظرتنا لكل ما هو سياسي؟

فليس بالضرورة أن يكون حقيقا بالكذب وتشويه العمل السياسي، بقدر ما هو احتمال لوضع خطوط قيمية ترفض المس بقدسية الأخلاق السياسية ودمقرطتها في منظومتنا الانتقالية، التي بدت مؤخرا وكأنها تعوم ضد التيار؟