قضايا

مغرب الكساكس..

عز الدين بونيت

من منكم ما زال يذكر شعار: مغرب الشعوب؟..

تابعوا الموضوع الى نهايته..

موضوع هذا المنشور عن قصة الكسكس المغربي وما جرى له في أروقة الامم المتحدة.

إمعانا مني في صب الزيت على النار، وبدوافع إبليسية لا تقاوم، أنشر هذه الخبايا، تحت ذريعة ضرورة معرفة الحقيقة كاملة:

بعد الإعلان عن خبر تصنيف الكسكس المغاربي تراثا لا ماديا للإنسانية في لائحة اليونسكو، انتشرت في التعاليق  عبارة: "الكسكس يوحد المغاربيين"، مع رعشة حبور لا تخفى. وذهب المعلقون الى ان الأكلة الشهيرة استطاعت ان تسدي لنا نحن المغاربيين ما لم تستطعه السياسة ونواياها الحسنة، وهناك من فكر: هؤلاء المغاربيون بطنيون لدرجة أنهم يؤتون دائما من بطونهم بفعالية اكثر  من ان لو حاولت مراودة عقولهم.

أريد أن أخيب ظنون كل من ظنوا ان تصنيف الكسكس المغاربي علامة من علامات النضج الوحدوي. ليعلم الجميع، وليعلم الغائب الحاضر ان أمر هذا التصنيف لم يكن هينا. فهو نتيجة مناكفات بدأت عندما قرر المغرب التقدم بملف تقني متكامل الى اليونسكو لطلب تقييد الكسكس المغربي ضمن لائحتها للتراث اللامادي للإنسانية. كانت النية حسنة.

فمنذ عقود والكسكس المغربي يحتل مكانته تحت هذا الاسم في قوائم الطعام الاكثر شهرة لدى السياح. ودخل مجال الصناعة السياحية منذ عقود كإحدى علامات المطبخ السياحي المغربي، وتنافس كبار الطهاة المغاربة وغيرهم في تطوير لمسات ذواقية رفيعة لهذه الاكلة الشعبية. تعود الخطاب السياحي على التركيز عليها في كل حوامله الاشهارية والتواصلية. وأدرجت في المسابقات الدولية للطبخ التي يحتل فيها المطبخ المغربي اليوم مكانة مرموقة، الى جانب اكبر تقاليد الطبخ العالمية (الفرنسية والايطالية والاسيوية..) ...

حصل كل ذلك، في غيبة تامة من جيراننا، حتى ظن المغاربة المساكين، بحسن نية، ان الكسكس، الذي هو عنوان الكرم  المغربي منذ عصور سحيقة، أكلة مغربية الهوى والجنسية،  وان لا أحد يمكن ان يشكك في ذلك او ينازع فيه. فتقدموا بثبات نحو إحدى منظمات الأمم المتحدة، من اجل تسجيله، ضمن تراثهم الوطني ذي البعد الإنساني.

وبعد كل الجهود المضنية في بناء سمعة الكسكس على أساس انتمائه  المغربي، وحين حان وقت رسملة هذه الجهود (على حد تعبير الاقتصاديين وخبراء التنمية)، وتقدم المغرب بملفه الى اليونسكو، ثارت ثائرة جيراننا الجزائريين اولا، قبل ان ينتبه التونسيون فيقرروا بدورهم الانضمام اليهم. في البداية لم يكن رد الفعل الجزائري منطلقا من مطلب الانضمام الى المبادرة المغربية، بل من مطلب عدم أحقية المغرب في الاستحواذ على هذه الاكلة وربطها باسمه، وادعاء انتمائها اليه وحده. 

كان هذا هو الموقف الجزائري. وكان بإمكانك ان تسمع من بين سطور هذا الموقف صراخا حانقا على السلوك التوسعي الدائم  للمغرب، حتى في ملف الكسكس..

هكذا حولت الجزائر الخطوة الثقافية النبيلة الخالصة للمغرب، الى ملف سياسي ساخن. لا ننكر ان المغرب، البلد السياحي المجتهد، فكر في الموضوع من المدخل السياحي ايضا. وفكر ان كسكسه هو كسكس أضحى ذا بعد دولي، وان كبار الطباخين في العالم يعرفونه بانتمائه المغربي. ولا يشكون في ذلك ولا ينتظرون قرارا من مجلس الامن للاعتراف بمغربيته.

ما يهمني في الموقف الجزائري، هو ان اتمكن من فهم دوافعه. هل هي فقط الرغبة في اقرار حقيقة ثقافية راسخة مفادها ان الكسكس يوجد في الجزائر وتونس وموريطانيا ايضا؟ ام التشكيك في حق المغرب ان يزعم ان له اكلة يفتخر بها وتقع في القلب من نظامه الغذائي ومطبخه وتقاليد ضيافته، ويحق له ان يضع عليها نياشين اليونسكو؟

ما الذي كان يمنع الجزائر او تونس ان تبادرا قبل المغرب الى طلب تصنيف كسكسها؟ عندئذ كانت ستضع المغرب الغافل في موقف محرج. لكنه الكسل. ولحسن الحظ ان المغرب بادر واستدعى احتجاج الجزائر واعتراضها... ولكنه كان له شرف السبق.

تلت هذه الاعتراضات اذن مفاوضات ولقاءات  واجتماعات عمل تقنية استفادت كلها من الجهود التي بذلت في تكوين الملف المغربي.

وانتهى الامر على أحسن ما يرام: تأسيس مغرب الكساكس..

وتفعيلا لهذا الانجاز الدبلوماسي الثقافي الجميل، اقترح على وزارتي الثقافة والسياحة المغربيتين، بكل جدية، المبادرة الى تأسيس مهرجان مغاربي للكساكس، يكون مناسبة سنوية تنعقد فيها لقاءات وندوات وتسويات، لا أشك انها ستكون في غاية الفعالية. فكل الطرق تؤدي الى الغايات المرجوة، ولا سيما طريق الكسكس. التي لا ينبغي الاستهانة بها.