تحليل

من وحي live عبد الإله بنكيران

عادل بنحمزة

"السياسي... يصبح رجل دولة كبير، عندما يبدأ في التفكير في الأجيال القادمة، عوض التفكير في الانتخابات المقبلة".

ونستون تشرشل

ما قام به بنكيران اليوم مهم للغاية، لأن حزب العدالة والتنمية بحاجة بعد عشر سنوات في رئاسة الحكومة إلى الخروج من المنطق الضيق للحزب والأفكار التأسيسية التي تتسم بمبدئية صارمة ونزعة أخلاقية، إلى منطق الدولة الذي لا يعني بالضرورة أنه غير مؤسس على أفكار مرجعية أو غير أخلاقي، بل فقط أنه يواجه كثيرا من القضايا بمنطق الاختيار بين السيء والأسوأ...، وأن عملية اتخاذ القرار معقدة جدا لكنها عملية مفروغ منها ويجب اتخاذها لأن أمور الدولة لا تنتظر.

في اعتقادي أن اكتساب مناضلات ومناضلي العدالة والتنمية ثقافة الدولة (هذا الأمر حاصل عند عدد كبير منهم) هو مكسب للمغرب ومكسب للحركة الإسلامية التي ترغب في الانخراط في المشروع الوطني، الأمر لا يتعلق باكتساب القدرة على التبرير، بل بالقدرة على المساهمة الفعلية في توسيع دائرة اتخاذ القرار ودمقرطة هذه العملية.

العثماني قام بواجبه، واختياره لتلك المهمة يتطابق مع موقعه في الدولة، وقد يكون هذا الاختيار أيضا عملية بيداغوجية لمساعدة الحزب على اكتساب ثقافة الحكم والدولة التي تمثل مستوى من مستويات السياسة، رحم الله السي عبد الرحمان اليوسفي عندما قال ذات بوح أنه ليس هناك تأمين في السياسة، لهذا من يخوض في هذا المسار يعرف من البداية أنه غير مؤمن ضد المخاطر بكل أشكالها وأنواعها، وفي منطق الإشارات الذي يتقنه الحكم في المغرب، لابد من التذكير مثلا بأن الراحل الحسن الثاني عندما اعترف المغرب بموريتانيا، كان أول سفير يختاره في نواكشوط هو المرحوم قاسم الزهيري أحد قيادات حزب الاستقلال الأساسية وإن كان ساعتها قد غادر الحزب، ولا يخفى على الجميع أن ذلك الاعتراف كان موضوع خلاف بين المرحوم الحسن الثاني وحزب الاستقلال، وعندما اشتدت الأزمة بين المغرب وفرنسا بداية التسعينات بعد تجاوزات مدام ميتران في دعمها للجبهة الانفصالية، قام الراحل الحسن الثاني بتعيين الأستاذ عباس الفاسي (شفاه الله) عن حزب الاستقلال وصهر الزعيم علال الفاسي صاحب الباع الطويل في محاربة الاستعمار الفرنسي، سفيرا للمغرب في باريس... السياسة ليست أقوال فقط بل أعمال ورموز، وهو عمل نسبي من صنف ما لا يدرك كله لا يترك جله.