تحليل

التمغربيت والتنوع المتكامل

سعيد بنيس (فايسبوك)

لرصد تمظهرات خطاب الكراهية والعداء في حقل التنوع والتعدد والاختلاف بالمغرب يمكن الاقرار أنّ هذا الخطاب يتأسس على عنف رمزي يتغذّى على خلق بؤرِ تشنّج هوياتي، عمادُها انتهاج مواقفَ متضاربة وإقصائية. تمكنت هذه المواقف والتموقعات من الانتعاش في الفضاء الرقمي وهي تتراوح وتتأرجح بين الإكسنوفوبيا التي يوصف بها الأمازيغ، والفاشية التي تُلصق بالإسلاميين، والعنصرية التي يُنعت بها القوميون العرب و"تعياشت" التي ترمز إلى مواقف بعض الناشطين الرقميين وألقاب أخرى ضاربة في المتخيل الشعبي من قبيل" أعراب إجان" و "الشلح الزقرام" و "اليهودي الجيفا" ...  وفي خضمِّ تنامي خطاب الكراهية واتساع رقعته خاصّة مع وسائل الاتصال الحديثة والمنصات الرقمية التفاعلية (فايسبوك وتويتر وواتساب ...) ومع الاشكالات المطروحة وتحديات ورهانات المملكة المغربية تبدو الحاجة ملحة للتمسك بالقيم الوطنية والتّمغربيت، والتوحّد تحت لوائها، من أجل التصدّي لخطاب الانقسامية وبلاغة التشظي الذي باتَ تصاعدهما يثير القلق، بتحوّلهما من العنف اللفظي إلى العداء الخطابي تحت عدة مسميات وبمعجم جديد مما سيؤدي إلى وضعية من عدم التوازن والقطبية المجتمعية.

كما أنّ اعتماد قيَم المواطنة المغربية بديلا لخطاب الكراهية والاختزال والتراتُبية والاقصاء في علاقته بالتنوع الثقافي والتعدد اللغوي والاختلاف العقدي والتباين الايديولوجي ...  يُعتبر مدخلا أساسيا لمواجهة مقولات الصفاء والنقاء الفكري والحقوقي والعرقي واللغوي والثقافي والعقدي ... لهذا فمن عواقب توغل هذه المقولات تمخض وترسيخ وتثبيت سلوكات عنيفة مادّية ورمزية، باعثة على خطاب الكراهية وثقافة الإكسنوفوبيا (Xenophobia) وكراهية الآخر ومعاداة الجماعة وجميع تجلياتها. ولتفادي هذه العواقب يمكن اعتماد طريقة مُثلى لتقويض خطاب الكراهية والتنافر من خلال تبني خطاب المُصالحة المجتمعية عبر الحوار والتفاوض والارتهان بالزمن الدستوري بإعمال مقتضيات دستور  201 في شقها الهوياتي المرتبط بديناميات التعايش والتساكن وكذلك بإنشاء مؤسسة مستقلة حاضنة للفعل المدني، هدفها خلق تراكم يساعد على تبنّي خطة وطنية للتصدي لخطاب الكراهية. ذلك لأنَّ خطاب الكراهية لا يمكن تناوله إلا بربطه بمدى تملُّك الفاعلين لأسُس مقولاتِ المواطَنة والتنوع والعيش المشترك والتمازج والرابط الاجتماعي، من خلال اعتماد مقولة "التنوع المتكامل" تحت مسمى "التمغربيت". 

من الجديرالتذكير أنه بموازاة انتعاش الهوية الوطنية  وجذوة الشعور بالتمغربيت وتسارع التحديات والرهانات الجيوسياسية للمملكة المغربية يلاحظ عودة واشتعال الأطياف الهوياتية الأخرى منها لا للحصرالهوية الثقافية واللغوية والترابية والدينية، مما نتج عن هذه الوضعية تراجع وخفوت السلوك الحضاري في التفاعلات والنقاشات لا سيما منها الرقمية والافتراضية وحضور فلسفة ومنطق الكراهية والعداء والتنافر وغياب معايير وشروط التداول حول مسألة التنوع والتعدد والاختلاف وحَجْب خطاب المصالحة والتسامح  من خلال وعاء وجسر وسائل اتصال محتضِنة لخطاب عنف وأشكال تعبيرية باعثة على ثقافة الاقصاء والإبعاد والتمييز وعدم الاعتراف. من هذه الزاوية يتوجب على المؤسسات الثقافية والهيئات السياسية والمدنية ومحاضن التربية والتنشئة أن تضطلع بدورها الحضاري في إشاعة خطاب التسامح والتربية على ثقافة التنوع وتبيان ايجابيات التعدد والاختلاف. لهذا يبدو من الضروري التفكير في بناء بيئة اجتماعية للأجيال القادمة تحتضن مقولات التفاوض والتداول والترافع وحس التفكير النقدي الايجابي في أفق تنشئة مجتمعية ترتكز على منظومة "التنوع المتكامل" التي يرتكز على مبدأ أن إشكالات التعدد والتنوع تُحيل على قبول الآخر وتُلغي مواقفَ العزل والإقصاء والكراهية وهي محكومة في حالة المملكة المغربية بالقيم المشتركة التي من أسمى قيمها قيمة التمغربيت.