رأي

عبد الغني القاسمي: فلسطين بين المقاومة و المساومة

منذ أن أعلن المغرب عن استئناف علاقاته باسرائيل التي كانت قد توقفت في التسعينات من القرن الماضي لأسباب معروفة، طفت على سطح الأحداث في المنطقة العربية ردود فعل تراوحت ما بين مؤيدين و منددين بذلك القرار الذي يرى فيه المغرب أن الظروف قد فرضت اتخاذه خدمة لمصالحه السيادية العليا.

و الدخول في تفاصيل تلك الظروف و حجم و نوعية العلاقات الجديدة الرابطة بين العاصمتين الرباط و تل أبيب - بحكم أنها تعني فتح مكتبي اتصال لتدبيرها والاشراف عليها -  مما يفيد أنها  تختلف كليا عما تسميه أطراف عربية أخرى بالتطبيع الشامل عبر التمثيل الدبلوماسي المتبادل على مستوى السفارات.

فما يهم الرأي العربي و الدولي هو أن المنددين بالقرار المغربي رددوا شعارات لم يترجموها على بساط الواقع  لا في الماضي و لا في الحاضر و منها مثلا المقاومة الميدانية للعدو الغاشم و إشعال نار الحرب الضارية ضده لمحوه من الوجود و اجتثاث جذوره من منطقة الشرق الأوسط و إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة منذ 1948 و و و الى آخر حزمة الشعارات الفضفاضة و الأدبيات السرابية التي تظل حبيسة الأوراق التي كتبت عليها و الأفواه التي نطقت بها.

وأكثر من ذلك أن دولا كالجزائر لم يسقط من أبنائها شهيد واحد على أرض فلسطين - على عكس المغرب -  لا زال حكامها يكتفون بترديد مقولة بومدين الشهيرة منذ أزيد من نصف قرن : نحن مع الجزائر ظالمة أو مظلومة ، و يعتبرون تلك المقولة السريالية قمة في مقاومة إسرائيل و دليلا على شجاعتهم وصمودهم في وجهها و تحديا لها ، و الواقع يشهد أن التطبيع الحقيقي والخفي و ليس المعلن هو الذي يمارسه البعض بطريقة الزواج السري أو زواج المتعة ، حيث يبقى محتفظا بورقة ضغط يستعملها في ابتزاز أوساط دولية معينة  عند دخوله في صفقات اقتصادية و عسكرية يستفيد منها هؤلاء الحكام ، و هذا نوع من النفاق السياسي الذي يستبيح الركوب على مآسي الشعب الفلسطيني الذي سلبت منه أرض أجداده و التكسب على حساب حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب اسرائيل وفقا لما ورد في المبادرة العربية.

فمواجهة الصراع الذي طال أمده في الشرق الأوسط، لا يمكن أن تظل خاضعة لأسلوب رتيب و متخاذل و متجاوز و لا يجدي نفعا لا لهذا الطرف أو ذاك ، خصوصا بعد أن تحولت القضية مما اعتبرنا في الماضي مقاومة فصار اليوم أداة للمساومة و الاستغلال البشع .