قضايا

عن أباطيل وأكاذيب الجزائر بشأن الحرب في الصحراء المغربية

محمد ياسين

لا تستغربوا، فحتى البلاغات العسكرية تصدر بالجزائر العاصمة وليس بالمخيمات..

لم أستغرب الحملة الشعواء التي تشنها وسائل الإعلام الجزائرية هذه الأيام على المملكة المغربية. ولم أندهش لحملة التضليل الدعائية بوجود حرب في الصحراء المغربية التي تنهجها منذ أزيد من شهر ونصف.

فالسلوك العدواني للنظام الجزائري متجذر فيه، والعداوة في حقنا ثابتة مدى الدهر. ولي اليقين أن البوليساريو تسعى إلى إلهاء سكان المخيمات بانتصارات وهمية لا توجد إلا في مخيلة من يروجون لها، أما النظام الجزائري وفلول جنرالات الفساد والريع وأبواقهم فإنهم يحاولون التغطية على المشاكل الداخلية التي يتخبط فيها الشعب الجزائري المغلوب على أمره، والسطو على حراكه التواق إلى الانعتاق من بوثقة حكم "الكاسكيطة" على حد تعبير جيراننا في الشرق.  وأنا متأكد أن "المسرحية" السخيفة والسيئة الإخراج لنقل أحداث حربية من طرف التلفزيون الجزائري قمة في البلادة، كما أني متأكد أن البلاغات العسكرية الصادرة باسم جبهة البوليساريو والتي وصل عدها 40 بلاغا عسكريا حول "أقصاف وتدميرات" لقواعد عسكرية مغربية إنما أضغاث أحلام، لم يطلع عليها حتى من يدعون قيادتهم للبوليساريو إلا بعد صدورها. فبهكذا سلوك تعامل به الطغمة الحاكمة بالجزائر دوما قيادة البوليساريو.  

وقد حكى لي القيادي السابق في جبهة البوليساريو ومسؤولها الإعلامي السابق ومدير الإذاعة الناطقة باسمها التي توجد مكاتبها بمقر الإذاعة الجزائرية، الفقيد ماء العينين مربيه ربه، في سلسلة حوارات نشرت بجريدة "بيان اليوم" حكاية لا يمكن وصفها إلا في خانة العجائب والغرائب.

قال محدثي (والتسجيل لازلت أحتفظ به) عندما كان يشغل مدير إذاعة البوليساريو أنه تلقى ذات مساء وهو على وشك الانتهاء من فترة البث التي تجود بهم عليه الدولة الجزائرية، اتصالات هاتفية من أعلى المستويات في النظام الجزائري تأمره بعدم مغادرة عمله والابقاء على  البث الإذاعي لتلك الليلة وأن ينتظر ريثما يتوصل بالتعليمات.  كان ذلك مثيرا للاستغراب، وبعد ان استوضحت الأمر قيل لي يجب الانتظار.

في عصر ذات اليوم، يضيف مربيه ربه، صدر تقرير عن البرلمان الأوربي ينتقد بشدة الجزائر والبوليساريو  وتورطهما في تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة لسكان المخيمات، وعجم احترام حقوق الإنسان، وبالتالي ينتصر للأطروحة المغربية حول نزاع الصحراء.

كان حينها مدير الإذاعة والمسؤول الإعلامي الأول للجمهورية الوهمية يتنقل بين تندوف والجزائر العاصمة، كما جاء على لسانه. لكن ذلك اليوم فاته موعد الطائرة وجلس ينتظر التعليمات من المسؤولين الجزائريين. كان هاجسه الأكبر كيف وبماذا سيملأ فترة الإرسال الإذاعي التي أوشكت على النهاية. قبل أن يأتيه أمر بأن الإرسال سيستمر متواصلا في الأيام المقبلة دون انقطاع وعليه أن يذيع على الأثير أغاني حماسية وبطولية، وهو ما قام به.

بين الفيينة والأخرى يقول مربيه ربه تأتيني اتصالات من هذه الجهة أو تلك أو من هذا المسؤول أو ذاك، وأكثر الاتصالات في تلك الليلة كانت مصدرها وزارة الخارجية الجزائرية تطلب مني الاستعداد التام للشروع في "العمل الوطني الهام". وبعد أزيد من ساعتين ونيف وصل إلى مكتبي مسؤول بوزارة الخارجية الجزائرية مخفورا بمرافقين على الأرجح من المخابرات. دون مقدمات سلمني المسؤول الدبلوماسي ظرفا فتحته أمامه وإذا به عشر ورقات أو يزيد يتضمن كثيرا من الحشو واللغط والعبارات الرنانة، للرد على قرار من صفحة واحدة وفي بضعة أسطر. ولم يبرح المسؤول الجزائري، ومعه مرافقيه، مكانهم بمكاتب إذاعتنا حتى انتهينا من تسجيل البيان الذي ينتهي بالعبارة الشهيرة "الوطن أو الشهادة" ممهورا بتوقيع رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني الصحراوي. وشرعنا في البث المتواصل للبيان مع فترات للأغاني الحماسية.

كانت لحظات عصيبة جدا ويوما متعبا ومرهقا قررت بعدها ان أستقل آخر طائرة إلى تندوف ومن بعدها إلى مخيمات الحمادة. وتكلف مرافقا المسؤول الجزائري بمرافقتي إلى المطار العسكري بالجزائري حيث ستقلع الطائرة.

وصلت الطائرة إلى تندوف جنوب غرب الجزائر مع تباشير ضوء الصباح الأولى، وكنت منهكا أسرع الخطى للوصول إلى السيارة التي ستقلني إلى المخيمات. ومن غريب الصدف، يسترسل مربيه ربه في الحديث، قائلا إن أول من صادفته وأنا متوجه إلى السيارة حيث ينتظرني السائق، رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني الصحراوي، وكان إنسانا بسيطا ودودا ومؤدبا للغاية، بادرته بالتحية ورد علي بكل الأدب المعهود فيه وسألته ماذا يفعل في مثل ذلك الوقت هناك والناس لازالوا نياما، فأجاب أنه ينتظر أمانة جاءته من الجزائر العاصمة. وبطريقة لا تخلو من الخبث والسخرية معا قلت له: "هنيئا لكم بالبيان الناري الذي أصدرتموه أمس". بدت عليه علامات الاستغراب وأجابني بسذاجة كبيرة "عن أي بيان تتحدث؟ قلت له "البيان المضاد الذي تردون به على تقرير البرلمان الأوربي.

بدا الرجل أنه خارج التغطية، يضيف محدثي، ولا يعلم شيئا، فجحظت عيناه وفغر فاه قائلا" " أنا لا علم لي بكل هذا". وإمعانا  في السخرية والاستهزاء قلت له: "ومع ذلك فالبيان صدر باسم المجلس الوطني الصحراوي وممهور بتوقيعك، ولا يمكن أن توقع على شيء لا علم لك به".

ابتسم الرجل ابتسامة بريئة وأقسم أنه لا يعرف شيئا عن البيان، قبل أن يضيف" الإخوة الجزائريين الله يكثر خيرهم يهنيونا، ويقومون بواجبهم وبواجباتنا أحسن قيام".

منذ أن سمعت من ماء العينين مربيه ربه رحمه الله هذه الحكاية وأكدها لي بلسانه أيقنت أن كثيرا من القرارات تتخذ في الجزائر العاصمة دون أن يعلم بها قادة الحبهة بالمخيمات فبالأحرى استشارتهم أن أخذ رأيهم فيها.

هذه شهادة، إن كان الأمر يحتاج إلى ذلك، من رجل خبر دواليب الإعلام والبروباغندا الانفصالية وألاعيب التضليل الجزائرية. وعندما اكتشف زيف الادعاءات ودعوات الانفصال، وحقيقة مرامي وأهداف النظام الجزائري قرر العودة إلى أرض الوطن، ويالها من عودة بطولية. فكان الوحيد الذي التحق بأرض الوطن انطلاقا من التراب الجزائري. 

وقد تأتي الفرصة لأتقاسم معكم كيف استطاع الإفلات من مراقبة رجال DSR الجزائريين والدخول إلى المغرب عبر نقطة زوج بغال الحدودية.