رأي

مصطفى سلمة: لما اختفى 40 مليون مغربي عدو

صيف 1998 ذهبت في رحلة هي الاولى لي خارج الجزائر، الى مدينة اسبانية اسمها villena. و هي مدينة صغيرة هادئة و مسالمة تقع في الجنوب الشرقي الاسباني. غالبية سكانها يعرف بعضهم البعض. لي فيها اصدقاء اسبان تعرفت عليهم من زيارات قادتهم الى المخيمات.

ذات يوم احتجت لشراء الشاي، فذهبت مع صديق اسباني الى السوق. و كان هناك محل واحد يبيع الشاي في المدينة.

لما دخلت المحل وجدت صاحبه مغربي، فقلت لصديقي الاسباني، لن أشتري الشاي من مغربي حتى و لو انفجر رأسي، فهؤلاء أعداؤنا. لم يستسغ صديقي الاسباني ردة فعلي، و قال لي هذه بقالة وليست خندق حربي، و هذا إنسان مثلك و ما ادراك فلربما يكون سبب مجيئه الى هنا هو نفس سبب مجيئك انت، قد تكونون ضحايا لنفس النظام.

كنت أكره كل ماهو مغربي و كأن الامور ينبغي أن تكون هكذا. و كل من يقول غير ذلك فهو اما جاهل لا يعرف المغرب او غير سوي. فقد تربيت على مقولة منسوبة لاحد علماء الجزائر تقول:

ازرع الخير في الكلب في المغرب لا

الشعر ينبت في الرأس في الكف لا.

كان من المسلمات عندي أن المغرب هو الشر كله، ليس فيه خير. فاضطررت لقطع مسافة 30 كلم الى بلدة أخرى حتى لا أشتري الشاي من تاجر مغربي.

اليوم يعيرني جل من يعلق في صفحتي ممن كنت مثلهم أكره المغرب و المغاربة بأن غالبية أصدقائي و المدافعين عني هم مغاربة. و لا ادري هل أنا الخمسيني لم اصل لدرجة الرشد التي أميز بها بين الصديق و العدو، ام أن إخواني الصحراويين لديهم مفاهيم غير التي يعرفها البشر. ويطلقون كلمة صديق على من يسب و يشتم و يعير، و كلمة عدو على من ينصر و يواسي.

و إن كنت أنا من اختلطت عليه الامور و فقدت القدرة على التمييز، هل اختلطت على المغاربة أيضا الذين أصبح عندي منهم من الاصدقاء ما يفوق عدد أفراد قبيلتي التي تعد أكثر قبيلة في الصحراء.

لم يتغير المغاربة الذين كنت أكرههم. بل أنا من تغير. و لما تغيرت لم أجد المغربي الذي كنت اناصبه العداء و أكرهه. لم أجد المغربي الذي كان يتحين لحظة غفلة مني ليقتلني.

صدقوني خجلت من نفسي. أنا العاقل أنا الذكي أنا محقق الجبهة البارع لم أجد المغربي الذي كنت أناصبه العداء منذ عقود. و من غير المعقول أن يختفي 40 مليون عدو في لحظة!!!!

السر هو أني لما تغيرت أكتشفت أني كنت دونكيشوت زماني. اكتشفت أن لعبة بلاي ستيشن عن حرب بيني و المغاربة كانت شغالة في دماغي. و أني كنت أصدق الاحداث التي تجري في مخيلتي، قبل أن ينقطع التيار، و يتوقف الشريط الشغال في دماغي و أعود الى الواقع لأجد أن 40 سنة مرت من عمري و دماغي مخترق، و كنت أحسب اني أعيش حربا حقيقية.

لا اطلب ممن يعتقدني فقدت صوابي من إخواني الصحراويين، غير أن يفصل الشاحن، و يقطع التيار عن اللعبة الشغالة في مخه منذ ولادته، لمدة ساعة. و يسأل نفسه: ماذا حقق و ماذا يريد؟.

هل عنده منزل لائق؟. هل ابناؤه يحظون بتعليم و تطبيب لائق، هل عنده عمل و مدخول يؤمن مستقبل أسرته؟. و هل هناك بشري يطمح لأكثر من هذا؟. و هل من يتصارعون على كرسي الرئأسة في اي مجتمع أكثر أو أقل من 0.0000000001 و هل هو من هذه القلة القليلة الشبعى التي لا ينقصها سوى الطرب، ام أنه العريان الذي يبحث خاتم.

عندها سيعرف من يحول بينه و بين تحقيق طموحاته، و من عدوه الحقيقي هل نفسه الدونكيشوتية التي تصارع عدو وهمي منذ عقود، ام مغاربة تحول بينه و بينهم أبحر و جبال، لا يعرفون اسمه و لا شكله.

و من يريد التاكد من أن معركته مع نفسه لا مع المغاربة فلا يذهب بعيدا، عليه فقط أن يخرج في أي صفحة على وسائط التواصل الاجتماعي شاهرا سيفه مناديا:

- أيها الاعداء المغاربة هل من مبارز،؟

و سيأتيه الرد سريعا:

- شكون انت بعدَ.

- أنا الصحراوي الذي شردتموني.

- واش انت فعقلك الصحراء جبنا ليها الناس من الداخيل و من موريتان و من افريقيا، و القنصليات الشركات و ما قدرنا نعمروا منها أكثر من 6 الاف كلم مربع و ما زالت باقية 260 الف كلم مربع خاوية، و انت تقول شردناك. يا سيدي آجي و جيب حتى الشعب الجزائري معاك و على الله تعمرو نصها.

و كل عام و أصدقائي المغاربة الذين أعتز بصداقتهم و أقدر تضامنهم و دعمهم و مساندتهم لي، بخير.