تحليل

لماذا المغربي مندفع وسريع الغضب؟

جواد مبروكي*

لقد راقبت المغربي لعشرات السنين في جميع المواقف الممكنة، في المقاهي والأسواق وحفلات الزفاف ووسائل النقل ومحلات البقالة والقيادة على الطرق والتجمعات العائلية والإدارات والشواطئ وأجده مندفعًا جدًا وشديد المواجهة وغاضبًا ويدخل بسرعة في الخلافات والمشاجرات ويقوده هذا في بعض الحالات إلى مركز الشرطة.

ألاحظ وأحلل هذا السلوك الدفاعي والتفاعلي البحت الذي يفتقر إلى الصبر والنضج العاطفي للتعامل بشكل جيد مع المشاعر قبل الرد، ومن هنا اندفاعه الحاد والشاد. ومن الواضح أن هذا ليس خطأ في معالجة المعلومات التي يلتقطها أو سوء تأويله ولكن لسوء الحظ هذا نتيجة  دائرة عصبية غير آمنة(3) تكونت وتشكلت في دماغه في بطن أمه وأثناء طفولته.

عادةً بالنسبة إلى دماغ منظم ومُهيكل بشكل طبيعي بفضل تطوره في مكانة حسية أمنة(2)، فإن أي معلومات يتم التقاطها من الخارج تمر بعدة مراحل من المعالجة العصبية ليتم ترجمتها وإدراكها بقيمتها الحقيقية الواقعية والتعرف عليها على أنها عاطفة آمنة أو غير آمنة. وبعد ذلك  يتم تفاعل كيميائي يكون سبب الشعور بالفرح أو الحزن أو الدفاع.

في حالة الدماغ المغربي يحدث اضطراب عصبي على شكل اختراق عصبي “فْرِياجْ نورونالْ”(1) في طفولته بسبب غياب المكانة الحسية الآمنة(2). ونتيجة لذلك  لا تتم معالجة أي معلومات عاطفية قادمة من الخارج بشكل طبيعي وتتخذ على الفور مسلك الدائرة العصبية الغير آمنة(3) وبالتالي يُنظر إليها على أنها عاطفة غير آمنة والشعور بالخطر ومن ثم الانتقال الفوري إلى رد الفعل الدفاعي بغضب قوي وسلوك اندفاعي حاد.

إذن ما هي العوامل المسؤولة عن تكوين المكانة الحسية الغير آمنة(4) والدائرة العصبية  أو الاختراق العصبي “فْرِياجْ نورونالْ”(1) الغير الآمن؟

1- أثناء الحمل

نحن نعلم أنه في المجتمع المغربي الخلافات الزوجية والنزاعات بين العائلات ضرورية والحمل الذي يتطور في جو من التوتر والعنف اللفظي أو الجسدي يولد ضغطًا كبيرًا على الأم ويدرك الطفل الجنيني هذه المشاعر غير الآمنة ويبدأ تكوين دائرة عصبية غير آمنة(3) في دماغه. وفي هذه الحالة  وجدنا في السائل الأمنيوسي هرمونات القلق التي يمتصها الطفل.

2- خلال فترة الطفولة

من الواضح أن الطفل المغربي يتعرض لسوء المعاملة  بدون أو عن عمد ويتعرض للضرب  والاحتقار والتهديد والإحباط والإهانة من جميع الأنواع من طرف والديه ولا يتم تشجيعه أبدًا  ولا رأي ولا كلمة له. وللأسف كل هذه الإساءات تعتبر في ثقافتنا ضرورية لتربية الطفل! ولكن هذه الإستراتيجية التربوية تدمر المكانة الحسية الآمنة للطفل تمامًا وتمنع البنية الصحية لدماغه وبالتالي فإن انعدام الأمن العاطفي هذا يشكل اختراقًا عصبيًا غير آمن(1). وهذا يفسر سبب بكاء وصراخ الأطفال المغاربة بكل قوتهم باستمرار وبدون سبب وكل ما يأتي من الخارج يسلك مسلك الدائرة العصبية غير الآمنة ويثير مشاعر الرعب والخطر.

3- خلال الفترة المدرسية

لسوء الحظ  فإن النظام المدرسي المغربي يقوم على التنافسية ولا يعترف على الإطلاق بقيمة المكانة الحسية العاطفية الآمنة(2)، وتبقى المدرسة سوى ملحق لسلوك الأسرة العنيف في أشكال أخرى مُقنَّعَة. وبالتالي تقوي المدرسة  الاختراق العصبي غير الآمن(3) للطفل بدلاً من أن تشارك في إعادة تشكيل الدائرة العصبية غير الآمنة وتوفر له مكانة حسية آمنة.

4- التربية الدينية

التعليم الديني بدوره يرهب الطفل بالذنب والتهديد بالانتقام الإلهي ووصف كل المعاناة في الجحيم، كما يشجع الوالدين على إجبار الأبناء على الصلاة  وحتى ضربهم  ليؤدوا هذا الواجب الروحاني الذي ينبغي أن يكون بالحب وطوعيا. كما أن التربية الدينية لا تخلق أي مكانة حسية وعاطفية آمنة وتساهم في عدم وجود بنية صحية لدماغ الطفل.

لذا فإن المغربي كلما استقبل رسالة من شخص آخر فهي تمر على الفور عبر الدائرة العصبية العاطفية الغير الآمنة(3)  وكل شيء يُترجم على أنه خطر وتهديد ومن ثم اندفاعه غير المتناسب والفوري وردود أفعاله الغاضبة.

Frayage neuronal (1)

Niche sensorielle sécure (2)

Circuitage neuronal insécure (3)

Niche sensorielle insécure (4)

*طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي