رأي

نجاة البوعبدلاوي: لماذا بعد الفراق

نبحث عن صديق يفتح لنا أبوابه، أو عن إنسان يجيد استقبال أحزاننا في محطات قلبه، فنبدأ نثرثر له بهدوء الموتى وربما بحماسة الثائرين، ننزف تفاصيل الحكاية أمامه، فننثر علامات الإستفهام في وجهه؟.

لماذا بعد الفراق:

نغلق أبوابنا علينا ولا ننصت سوى لصوت أنيننا، ولا نشم سوى رائحة الحزن المنبعثة من أعماقنا، ولا نتذوق سوى أدمع خلفتها التفاصيل النهائية، لحكاية كانت جميلة؟.

لماذا بعد الفراق:

نمتليء بالخوف المريع، ويكاد رعب الوحدة يقضي علينا، ويخيل إلينا أن لاشيء مازال على قيد الحياة، ونظن أن كل الأشياء تلهث خلفنا، وأن نقطة النهاية أصبحت أمامنا؟.

لماذا بعد الفراق:

نبدأ حكاية جديدة مع الحنين، ونعيش تفاصيلها المؤلمة، نستغرق في طقوسها الحزينة، ونحتسي أحداثها بمرارة، لنبحر بين سطورها، ونسافر مع كلماتها، وغالبـا ما تنتهي بنا فوق قارعة البكاء..

لماذا بعد الفراق:

نتعمد إيداء قلوبنا، وننشط ذاكرتنا المتضخمة، فنغرس أنفسنا في أيامهم، ونبحث عن بقاياهم بإصرار، لنزور أطلالهم بأسى؟

لماذا بعد الفراق:

نمارس كل أنواع الموت، فنموت اختناقا، ونموت رعبا

ونموت حزنا، ونموت غربة، ونزور كل مدن النهايات؟.

لماذا بعد الفراق:

يتوقف الوقت، وتتوقف استمرارية الأشياء، ويتوقف ضجيج الحلم، ويتوقف تدفق الفرح، ويتوقف نمو الأمل، ويتقطع حبل انتظارالقادم الأفضل؟.

لماذا بعد الفراق:

نعيد قراءة أنفسنا، ونعيد طلاء أحلامنا، ونقرر البدء من جديد

وننادي الفرح بأعلى أصواتنا، وتفشل كل محاولاتنا لأستدراك الفرح إلينا؟.

لماذا بعد الفراق:

نحبهم ولانحبهم، نكرههم ولا نكرههم، نشتاق إليهم ولا نشتاق

نذكرهم ولا نذكرهم، نتقدم خطوة ونتأخر خطوات؟.

لماذ بعد الفراق:

نشعر بالإنكسار، ونشعر بالتشتت والتبعثر والإرهاق ونشعر بالهزيمة، كأن حربا مريرة مع الواقع انتهت؟.

وقبل ان يرعبني المساء، وبعد ألف من حزن فراقك أدركت أن

كل الاحلام بعد الفراق لا تجدي، وأن كل الآلام بعد الفراق لاتجدي، وأن كل الدموع بعد الفراق لا تجدي، وأن كل البدايات بعد الفراق لا تجدي...

وبعد أن يرعبنا المساء قد تكون مرحلة ما بعد الفراق بداية لمرحلة موت بطيء...