يعتبر مشكل الصحراء من اقدم النزاعات في العالم، نزاع ظل معلقا لاكثر من اربعين سنة على مفاوضات لاتنتهي لاسيما في ظل تحولات عالمية متسارعة . التدبير السياسي كان مكلفا وطويلا ، طغيان التدبير السياسي افقد المشكل كثافته ،من خلال اختزاله في صراع حول الارض . الجزائر التي نجحت و لأكثر من 40 سنة في خداع العالم ،عبر ترسيخ اعتقاد انها مجرد دولة جوار، و مراقب لما يقع و داعم لحق الشعب في تقرير المصير. التعامل الاختزالي و حصرالقضية في البعد السياسي جعل الرؤية معتمة ،مما ساهم في تضخيم الابعاد السياسية للنزاع ،و تغيب العنصر الاهم في القضية : البعد الانساني و وضعية المحتجزين / اللاجئين بمخيمات تندوف. محتجزي -مخيمات تندوف حسب تصورات ورؤية الدولة المغربية،ولاجئي تندوف حسب تصورات الدولة الجزائرية و من معها - يعيشون وضعا استثنائيا ، باعتبارهم الاساس الذي اصبح غير اساسي في صراع طويل. سكان تندوف و ضعهم شبيه بوضع الرهائن ، لا يملكون حتى الحق في الكلام عن انفسهم و عن مصالحهم ، هم فقط رهائن يخضعون للمساوة و البيع والشراء. هذه هو عمق الازمة و عمق المشكل ، الموضوع ليس موضوع ارض، ومجموعة شعارات ملونة حول الوطن و الحق و الانتماء ، انما جوهر المشكل حول انسان يعيش بلا هوية و بكرامة و لا يملك الحق الحديث عن نفسه . تابعت مجموعة من الاشرطة الوتائقية حول واقع المخيمات ،و قرات تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حول مخيمات تندوف لاسيما تقرير ،2018 جملة ملاحظات صادمة استوقفتني و كانت سببا في التفاعل و كتابة هذا المقال. بنيات تحتية منعدمة , امراض و اوبئة بكل مكان , اكثر من 35 الف تلميذ لا يجدون الفضاءات الملائمة للتمدرس شروط العلاج هشة , الماء يوزع بكميات محدودة لدرجة ان كمية الماء الخاصة بكل فرد لا تتجاوز 18 لتر و هي كمية لا تكفي حتى للوضوء. الاطار العام للحياة يكشف ان مخيمات تندوف هي اطار للموت ، بلا شك ما يقع بالمخيمات هوعملية ابادة جماعية و تحويل المواطن الصحراوي الى وسيلة للضغط و المساومة السياسية في حرب غير اخلاقية , حيت المستفيد/ التاجر يجيد الاختباء ، فغياب الماء و الصحة و حقوق التمدرس و عزل المحتجزين / اللاجئين في خيم يكشف البعد الحربي و العسكري لعمليات الاحتجاز و التوطين . ما يقع بالمخيمات هو تجريد من الانسانية اولا ، ان تجميع مجموعة من البشر في الصحراء و لمدة تزيد عن 45 سنة ، و بلا امل في حياة عادية ، فالامر يقود الى مسلسل القتل البطئ ،و تجريد من الهوية عبر تعرية المواطن الصحراوي و جعله عاريا يفقد علاقته بهويته و بوطنه و بكبريائه و تحويله الى مجرد متسول يعيش على الفتات و التسول و الكثير من الاهانات ، و بالمقابل هناك من يتغذى على الماساة و ينتعش انهم تجار الازمات و الذين يزداد ربحهم بعمق الماسي و الازمات ،حيت استطاعوا حولوا القضية الى صفقة تحقق عائدا ماليا او سياسيا لمن يتحكم في تمويل و صناعة المخيم . محتجزو تندوف , و اختياري لهذه الاسم ليس انحيازا غير مبرر لاطروحة بلدي ، وانما انحيازا للواقع لان مفهوم اللاجئ تقتضي عنصر القسر و الاكراه في ترك الوطن ، في حين ان الوطن يرحب بجميع ابنائه تجسيدا لرؤية الملك الحسن الثاني ان الوطن غفور رحيم. فسكان المخيمات هم كائنات معلقة ، و بلا هوية مسلوخين من واقعهم ،ومن هويتهم و من ماضييهم , يعيشون بلا دولة و بلا وطن ، و بلا قيمة . والنتيجة المزيد من الانتظار في انتظار ما لا يتحقق ، لان مصيرهم ليس بايدهم ،و لكن بايدي من يتاجرون بالملف . فالمقولات الملونة التي ينتجها اعلام الجزائر حول الحق في تقرير المصير ،و الاشتراكية ، و بناء الوطن هي مجرد تعبيرات أيديولوجية للتضليل و اخفاء الحقيقة . الحقيقة تسكن في الواقع و ليس في غيابه او تغيبه ، فالمناضل لا يتسول و لا يعيش على التسول و على الشفقة و مساعدات الاخرين. المناضل لا يقبل الحلول الوسطى ، و لا يقبل الشفقة ، ينتصر او يموت ،لانه يعيش من اجل المبادئ و على التسول و الاعانات . ان تحتجز اكثر من 120 الف مواطن فوق رمال حارقة ، و تحت شمس حارقة ، و بين الحريقين مساومات و مفاوضات للربح جعلت من الصحراوي رهينة ، امر يكشف عمق المشكلة و تعقيداتها . النظام الجزائري , يتاجر بالقضية بجعل المواطن المحتجز عاريا ، و تحت اشعة حارقة حتى الماء يوزع بالكوطا و ربما بالزبونية ، ان يصبح المواطن الصحراوي عاريا معناه ان يفقد علاقته بالارض و بالهوية و بالوطن و بتقافته التي تعتبر التسول سبة و احتقارا. المناضل لا يتسول ، و لا يسمح باستعماله كرهينة للمتاجرة و البيع و الشراء ،و لا يوظف سلاحه بمقابل , لعل من اسؤا ما يقع بمخيمات تندوف ان الصحراويين يعيشون في مكان ليسوا منه و ليس لهم ،, مكان الانسان الصحراوي هو الحرية و الثقافة و الشعر و النخوة و الكبرياء ، التاريخ شاهد و يضمن الكثير من الشواهد ،و كيف كانت شراسة الشيخ ماء العينيين في مواجهة من تحق مواجهتهم . الخيام هي امكنة مؤقتة , يتم بناءها على امل الرحيل يوما ، لكن في مخيمات تندوف نصبت الخيام و منذ اكثر من 45 سنة و مازلت منتصبة ، ستظل مادامت الجهة التي نصبتها لم تقبض الثمن ، او على الاقل استخلاص ثمن حراستها لكل هذه المدة . فالخيمة في المدلول السوسيولوجي هي رمز للفراغ المكاني ، وهي رمز للمؤقت ،لذا فهي هشة شريعة الزوال ، , لكن تجار الازمات جعلوا منها عنوانا للازمة ، و فرصة للتجارة و ارتهان مواطن و عزله عن جدوره ،و هو ما عبر المفكر ورجيو اجامبيين في كتابه حالة الاستثناء و الحياة العارية : ان المخيمات هي مخلفات ما يتركه الجنود بعد المعركة. تجربة المخيمات تجربة اليمة لانها شكلت تجربة لتعرية مواطن يعيش بالكبرياء و حولته الى مواطن هش وعاري يعيش بالتسول .