قضايا

"مدينة تحت الماء"

عبد الصمد بن شريف

بعض الملمترات من الأمطار التي تهاطلت على العاصمة الاقتصادية، كانت كافية لتكشف حقيقة البنيات التحتية التي تنعم بها البيضاء الكبرى، ولتعري بكل شفافية تضاريس مدينة من المفترض أن تكون نموذجا في تدبير الكوارث والآثار المترتبة عنها ، ففي ظرف ساعات حدث انقلاب جذري في كل شيء ،تغير شكل المدينة تماما ،كان المشهد أشبه بقيامة مفاجأة ،السيول تشق مساراتها بإصرار ،تجرف كل ماتجده أمامها ،شوارع ومسالك وأنفاق  غطتها المياه بالكامل ،وصار من المستحيل السياقة فيها ،أحياء سكنية هامشية وجدت نفسها تحت رحمة هجوم مائي كاسح ،ومنازل عدد من المواطنين تسربت إليها السيول ،فأثارت ذعرا في النفوس وحالة من الإستياء، جراء ماحصل للمتضررين .

انتشرت البرك المائية في كل ارجاء المدينة ،لم يكن هناك أي استثناء فعدالة السماء أرادت ان ينال كل حي نصيبه من هول هذه الأمطار الطوفانية .

شلت حركة السير  في عدد من  النقط الحيوية وتحولت الشوارع إلى بحر لانهاية له ،والممرات السفلى للقناطر امتلأت بالمياه.فوضى عارمة في المرور . وحالة من الارتباك اصابت طوابير طويلة من السيارات . وزادت  بعض الأشغال في تعقيد الوضع ،حيث تحولت الحفر إلى برك ،وتعرضت العديد من المؤسسات لأضرار مادية بسبب السيول التي داهمتها ،واضطر الكثيرمن المواطنين إلى الانتظار ساعات قبل الوصول إلى الوجهة التي كانوا يقصدونها ،اختناق شامل في حركة السير ،ولامنقذ من التهلكة سوى التسلح بالصبر الجميل وضبط النفس وتهدئة الأعصاب ،حيث لاينفع الغضب والتوتر في مثل هذه المواقف .

ماذا لو استمر تهاطل الأمطار يوما كاملا بنفس الوتيرة ؟ من المؤكد أن الأمر لوحدث، لأصبحت معه البيضاء وغيرها من المدن في خبر كان ،لأنه ببساطة ،في مدة وجيزة تغيرت المدينة رأسا على عقب ،واضطرب فيها كل شيء،ورأينا الناس حيارى ،فما بالك بيوم كامل أو أيام من التساقطات ؟لكن لنمر إلى بيت القصيد ، ولنتساءل بدون أية خلفية ،ألاتوجد في البيضاء مجاري وقنوات لصرف المياه ،وإذا وجدت هل تتوفر فيها الشروط الضرورية،و هل خضع انشاؤها للمعايير الكفيلة بتوفير خدمة بدون أعطاب؟من يتحمل المسؤولية في مثل هذه الكوارث ؟أهي السماء التي جادث بالخير العميم  ،أم الذين يتحملون تدبير شؤون المدينة ،بمن فيهم ،من فوت لهم أمر التحكم في مجاري وقنوات صرف المياه ؟

 المدن تحتاج إلى سياسات واستراتجيات في التسيير ،وإلى حكامة محلية تحمي المواطنين ، وتؤمن حياتهم وأملاكهم ،وليس إلى شعارات وأوهام تباع عند حلول كل موسم انتخابي .المواطنون يحتاجون إلى منتخبين يتابعون أمورهم ويسهرون على أمنهم في كل شيء،ويحتاجون إلى مسؤولين يدركون جيدا معنى أن تسوس وتدير مدينة .المدن تصبح مجرد كتل إسمنتية لاروح تدب فيها ، عندما تنعدم فيها شروط الإقامة الآمنة ،التي تطال كل مستويات الحياة من بيئة سليمة وحركة سير سلسة ،وقنوات مريحة لصرف المياه ومرافق مواطنة ،وأمن فعال . باختصار مدن مواطنة تمنح للحياة معنى وذوقا.

الأخطر في كل ماحدث  ويحدث، هو أن يظل المشهد القيامي الذي عاشته الدارالبيضاء يوم  الثلاثاء  5 يناير ،مجرد ذكرى أو لقطة عالقة في ذاكرة من عاش أطوارا منها ،أو وقف على كل تفاصيلها .إذ لابد من استخلاص الدروس مما حدث ،وتقييم مدى تحمل المدينة المليونية لكوارث مباغتة ،واستدراك الاختلالات حيثما وجدث ،ومحاسبة المقصرين في المسؤوليات ،فلا حكامة ولا تنمية ولاتمدن ولامواطنة خارج هذه المقتضيات.