قضايا

الجندر الغامض

يونس وانعيمي

في نقاش قضية حرية المرأة بالمغرب كثير من "الارتباك المفاهيمي". فهل هو مقصود؟

مفهوم "لعيالات" مرفوض بشكل حاسم في ادبيات النسوية المغربية لأنه يفضي سيميائيا، في وجهة نظرها، إلى "فرد موضوع إعالة" وهو ما يعني وصما سلبيا دونيا التصق بالنساء ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا. وتقاس سلامة الخطابات الحقوقية بابتعادها الضروري عن هذا المفهوم القدحي وابعاده من الحقل الدلالي للنسوية. لكن المفهوم كثير الاستعمال وشديد الترسخ، ولم تفلح الحركات النسوية من استئصاله لحد الآن بل وتعد مناهضتهن للمفهوم مناهضة اقل ما يقال عنها أنها "متطرفة" بل "لا شرعية" مادام الشرع الديني هو من انتج هذه الوضعية الجنوسية الخاصة sexospecifique

هناك ايضا غموض يلف مفهوم "المرأة"، بحيث تفضل الأدبيات النسوية الحديثة (بعد اعلان بيكين زائد 5) استعمال مفهوم "النساء". وذلك حسب رأيهم تفاديا للتنميط والتفييئ catégorisation بحيث انه من غير المناسب ان نجمع كينونات نسوية مختلفة ومتباينة ومتحررة في مصطلح واحد تقزيمي وتجريدي الا وهو مفهوم" المرأة". وبالتالي تحول شعار "مناهضة العنف ضد المرأة" إلى شعار "مناهضة العنف ضد النساء.." هذا التطرف الايتيمولوجي للفكر النسوي وضع كل الحركات النسوية في مأزق الحشد الجماهيري والإقناع القانوني والحقوقي والمؤسساتي..لأن النص الدستوري نفسه لم يستسغ هذا الالتفاف المشبوه حول مفهوم المرأة (التجريدي الأدبي القانوني) ومحاولة تعويضه بمفهوم" النساء" ذي الحمولة الديمغرافية.

الغموض يلف مفهوم "المناصفة" الواقع بالفصل 9 من الدستور. هو لا يستقيم في نفس مستوى مفهوم "المساواة" على اعتبار ان المساواة قيمة حقوقية شمولية بينما المناصفة هي أداة تمثيلية رقمية لتلك القيمة. وهنا وقع تحوير مسار الرسالة الحقوقية للحركات النسوية من مستوى المطالبة بالمساواة كقيمة حقوقية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.. إلى مستوى المطالبة بالمناصفة كإجراء يضمن تعادلا تمثيليا بين النساء والرجال في مختلف مناصب اتخاذ القرار.

النسويات يؤمن بأن المناصفة كإجراء رقمي تعادلي هو مدخل من مداخل أجرأة المساواة.

المشكل الأول يتمثل في سقوط مقتضى دستوري كان ربما يقصد قيمة حقوقية (المساواة) لكنه تغاضى عنه باستعمال مفهوم اجرائي (المناصفة) علما ان الدستور، وخصوصا في الموضوعة الدستورية للمساواة بين الجنسين، يفضل التذكير بالقيم وترك الإجراءات للنصوص التنظيمية. النسويات تغاضين عمدا عن المطالبة بنص تنظيمي للمساواة وركزن على المناصفة كربح وكحصاد تمثيلي سيدفع بهن لمراكز القرار.

المشكل الثاني هو سياسي وليس رقمي. ما ضمانات تحقيق المساواة في مؤشرات التنمية بين النساء والرجال عن طريق المناصفة؟ لقد سبق لكوطا النساء البرلمانيات (نظام اللائحة الوطنية) ان اخفقت في تخفيف فوارق النوع الاجتماعي بعدما تم اعتمادها لولايتين تشريعيتين كاملتين.. كلنا يعلم كيف يتم تنخيب النساء داخل التنظيمات التمثيلية من أحزاب ونقابات. هل المناصفة ستفكك هذه المنظومة السياسية غير المكترثة بقيمة المساواة التي لم يؤازرها لحد الساعة اي نص تنظيمي؟

وقع تمادي في تقعيد الحقل المفاهيمي للنسوية حتى غذا حقلا عامرا بالغموض. الفاعل السياسي اليوم لا يستسيغ هذا التجرد المفاهيمي النسوي الذي أصبح يحجب عنه طرق تبرير مواقفه وتوضيح مطالبه ومقترحات قوانينه ومرافعاته: النوع الاجتماعي، والجندر، والمناصفة، والفارق المبني على النوع وحساب اثره المالي، ومناهضة النمطية... كلها عناصر مفاهيمية أصبحت تتعقد سنة بعد سنة، والحصيلة هي ابتعاد النسوية عن مخاطبة الواقع مخاطبة واضحة تسمح بتحسين مؤشراته.