قضايا

في محراب الحرية لا نركع فكريا

حسناء شهابي*

إنَّ أكثر ما يغضبنا هو النفاق عند تلوين المواقف وتغييب الوضوح في المبادئ والأحاديث والخطابات بغرض الإفساد والانتفاع الأناني. فالنفاق إخفاق وخسارة كبيرة إذا تحول إلى نفاق اجتماعي ناتج عن اضطراب المجتمع الذي يعد كيانا سياسيا وقانونيا منظما يعيش في اطاره الفرد يؤثر ويتأثر. لكن التأثير الأكثر إيذاءا هو انسجامنا مع هذا النفاق الاجتماعي حتى نصبح كلنا مرضى ولا اختلاف بيننا إلا في النسب المتفاوتة.

ما لمسته من فجوة كبيرة في تناول الموضوع هو أننا لا ننتبه إلى شيزوفرنيا المجتمع فنظل كما نحن وعلى نفس الحال وعلى نفس إيقاع سمفونية الاستخفاف وكلنا للإصغاء بارتداء قناع الصمت نجوب بحر المجتمع كحوت أعمى خصوصا عندما تهتري الحرية ويظل الجهل يحتل المجتمع عبثا لكن العبث الحقيقي هو ما نعيشه اليوم من تجريم العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج. علما أن علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج هو واقع موجود في مجتمعنا وفي جميع المجتمعات. فمن غير المعقول أن نحرم شخصا من أبسط حقوقه. فلماذا نأكل البيضة وقشرتها؟ وندعي بالحرية وقلوبنا مفاتيح وأغلال الإقطاع والقمع ثم السياج. كيف نعيش في مجتمع منفصل عن الواقع المتقدم المستنير شكلا وموضوعا مع انغراس جذور التحريم والتجريم ثم الكبت؟ لهذا أقولها ملئ حنجرتي كفانا من تحنيط قوانين وفق قوالب فقهية جامدة لن تزيد للمجتمع إلا ظلما واستبدادا وتخلفا.

 بالحديث عن العلاقات الرضائية الحميمية مقارنة بالكبت والقمع المجتمعي الجنسي فكأنما نقارن النور بالظلام فلا داعي للمقارنة عند وجود الفارق أيهما الأكثر دعما للانحلال والانحراف؟ فبين التعتيم والتنوير تسليط ضوء على المسؤولية.  ولمن يتهم العلاقات الرضائية في تراجع عن الأخلاق فلابد من الإشارة إلى شيء مهم ففي الدول الغربية الأخلاق ليست محصورة بالعلاقات الجنسية بل إن الأخلاق هي الأمانة والصدق والإخلاص والانضباط والتواضع والعدل ورفض الإهمال والتسيب والقيام بالواجبات بدون التهرب من أدائها واحترام الغير والاعتراف بحقوق الآخرين ونبذ الظلم مما جعلهم يتفوقون حضاريا ولولا ذلك لما حقق الغرب كل هذا الازدهار العظيم.

لهذا سأخاطب قوم السياسة وقوم حقوق الإنسان وقوم الدين فالضغط لا يولد إلا الانفجار، والقمع والاجبار لا يؤديان إلا اختيارات ممسوخة مشوهة نابعة من كبت وقهر لا عن رغبة حرة واختيار مسؤول بعيدا عن أي مؤشر أخلاقي ترفع فيه راية العفاف مثلما ينبغي إعادة النظر في العلاقات الرضائية كوطن للتوافق وللإنسان ذاته ولنتحرر من زيف القيود الأخلاقية الموضوعة على سيقاننا علما أن هذا لا يعني نهاية أسطورة مؤسسة الزواج. ولنتعامل مع العلاقات الرضائية كغاية وليس كوسيلة باعتبارها خلاصة الحب البشري. شخصيا أحترم علاقة رجل مع امرأة يعبران عن عشقهما وعن علاقتهما الحميمية أكثر من شخص يستمني في الشارع العام ويختزن ذخيرة من الكبث يبحث أن يفجرها في أي جسد. فليدبر كل واحد علاقته بكل مسؤولية طبعا تتسم بالنضج والصيانة والحماية والوقاية وليمارس كل واحد حياته كما يريد ما دام لا يتخطى القوانين الإنسانية.

في محراب الحرية لا نركع فكريا لأننا استأنسنا بالصمود. لست بمحرضة على انحلال اجتماعي أو أخلاقي بل محرضة على أنبل من ذلك محرضة على تخلف فكري ونبذ للحرية والخوف منها. لا داعي للخجل من الجنس فقد حان الوقت لرفع شعار أن الحرية الجنسية تعاش ما دمنا جميعا نحارب في معركة الحياة ولكن بعضنا يقود وبعضنا يقاد في أرض النفاق التي ليست لا أرضنا ولا غرسنا. فلا تلوموني بل لوموا الأصل ولوموا أنفسكم عندما لا تفهمون الجسد و لا تحترمونه.

*رئيسة الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة فرع المغرب