رأي

أحمد عصيد: أبواق المساجد بين مرجعيات الدولة والسلوك المدني

صيحة الاستنكار التي أعلنتها مواطنة مغربية من أكادير (السيدة فاطمة زاعف)، ضدّ طرق استعمال مكبرات الصوت في المساجد، (والتي سبق لوزيرة الأسرة السيدة نزهة الصقلي أن نبهت إليها بالبرلمان المغربي) تثير موضوعا ما لبث يطرح إشكالا حساسا يتعلق بأساليب وحدود ممارسة الشعائر الدينية في ظل الدولة المدنية الحديثة، وما لا ينتبه إليه الكثيرون هو أن السيدة فاطمة كان يكفي أن تتوجه بشكايتها إلى الجهات المسؤولية لتتخذ الأمور مجرى آخر، فجميع الذين فعلوا ذلك حسب علمي حصلوا على حقوقهم وتم تدخل السلطة لإرجاع الأمور إلى نصابها، لسبب بسيط هو أن المواطنين لا يتشكون إلا عندما تكون هناك مبالغة كبيرة تتجاوز كل الحدود، كما أنّ استعمال مكبرات الصوت الداخلية والخارجية في المساجد يخضع لضوابط وليس فوضى أو خاضعا للمزاج الفردي.

ولعل آخر خبر ورد عليّ في هذا الباب يعود إلى شهرين فقط حيث قام مواطن مغربي في قرية نائية بالأطلس الصغير (ما بين تافراوت وتارودانت) برفع شكاية إلى قيادة أيت عبد الله بسبب مكبر الصوت في القرية الذي صار مزعجا بدرجة لا تطاق، والمواطن المذكور رجل مسن يؤدي صلواته مع جميع أعضاء “اجماعة” بالقرية الصغيرة، لكن بسبب تضرّره من مكبر الصوت الذي كان مجاورا لبيته طالب بإنصافه، وقد اصطف جميع سكان القرية بجانب إمام المسجد ضدّ المواطن المذكور، فحضر رجال الدرك على الفور إلى القرية وفرضوا على إمام المسجد تخفيض مكبر الصوت إلى درجة يُسمع فيها الآذان دون إزعاج أحد.

وقد تنبهت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى هذا الموضوع منذ سنوات فعملت على ضبط استعمال مكبر الصوت بالمساجد كما جاء في “دليل الخطيب والواعظ” فقرة “قواعد عامة (مكبرات الصوت)”:

“تُشغل مكبرات الصوت الخارجية للمسجد مع ضبطها بما لا يسبب الإزعاج في الحالات التالية:

1. الأذان؛ وفي أذان الفجر تخفض مكبرات الصوت إلى مستوياتها الدنيا، وبدرجة كبيرة في المساجد القريبة من المستشفيات ومن إقامات غير المسلمين.

2. أداء شعائر صلاة الجمعة عند الحاجة وصلاة العيدين ؛

3. وفي الحالات التي توافق عليها الوزارة؛”

وفي “دليل مهام ومسؤوليات مندوب الشؤون الإسلامية”، ورد في فقرة “المؤذنون” ما يلي:

ـ إلزامُهم (أي المؤذنون) بأن يكون أذانهم بالصيغة المغربية الأصيلة؛

ـ الحرص بتنسيق مع المجلس العلمي المحلي على تطوير أدائهم وتحسينه عبر التكوين والتمرين؛

ـ حثهم على تصحيح الاستعمال السلبي لمكبرات الصوت في الأذان؛

ـ إلزامهم بحماية مكبرات الصوت من أي استغلال غير موافق لأداء الشعائر الدينية، واستعمالها وفق المقتضيات المحددة في دليل الإمام والخطيب والواعظ.

تتحدث الوزارة هنا عن “الاستعمال السلبي لمكبرات الصوت”، كما تتحدث في دليل الخطيب عن ضرورة “ضبط مكبرات الصوت بما لا يسبب الإزعاج”، وهذا معناه أن الوزارة على علم بما يقوم به بعض المؤذنين من تجاوزات، وتدعو المندوبين إلى حثّ هؤلاء المؤذنين على حسن استعمال مكبرات الصوت وألا يتجاوزوا الحدود المسموح بها.

وقد طرحت المواطنة المذكورة مشكل استمرار بعض القيمين الدينيين في استعمال مكبر الصوت خارج الأذان حيث يستعملونه حتى أثناء أداء الشعائر كلها وهو أمر محظور من طرف الوزارة، لأن الغرض من الأذان هو المناداة على الناس للصلاة أما بقية الشعائر فهي تخصّ من حضر داخل المسجد لا خارجه.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المواطنين قد انتبهوا إلى ظاهرة جديدة استمرت لما يقرب من سنة، وهي ظاهرة الزيادة المهولة في مكبرات الصوت خارج أية ضوابط منذ قرار الدولة بإغلاق المساجد خلال فترة الحجر الصحّي، ثم في ظروف استمرار الطوارئ الصحية، وهو سلوك يمكن تفسيره بأنه كان بمثابة رد فعل من القيمين على المساجد ضدّ قرار الدولة، أما اليوم فهو يبدو مجرد خرق لضوابط الدولة ومرجعياتها، وعلى المواطنين التدخل بالشكايات إلى حين عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.

من جانب آخر لا ينتبه المواطنون إلى أن صيغة الأذان في العديد من المساجد مخالفة لقرار الدولة، حيث يؤكد دليل الوزارة على ضرورة أن يكون الأذان بالصيغة المغربية الأصيلة، بينما تعتمد الكثير من المساجد صيغة الأذان السعودية أو المصرية، ما يدلّ على تبعية واضحة للتيارات الدينية الوهابية والإخوانية. وهي كلها أمور قابلة للتصحيح باعتماد وعي مواطن يتابع السلوك الديني للمغاربة انطلاقا من قوانين الدولة ومرجعياتها نفسها.