تحليل

احتجاج الشارع ومنظومة تمغربيت

كفى بريس (فيسبوك)

في خضم الدينامية السياسية التي يعرفها المغرب، يمكن اعتبار احتجاج الشارع أداة وآلية جديدة ومتجددة للانتقال المجتمعي. فالشارع كمجال لليقينيات وفضاء للمظلومية ليس خاصا باحتجاج معين، بل يمكن من توصيف أغلب الاحتجاجات التي خرجت في جميع مدن المملكة المغربية، على أساس أن المنخرطين فيها يعكسون الخصائص نفسها ويشتركون في خاصية «الحرمان النسبي»، التي تحيل على التمثلات الفردية للتفاوتات الاجتماعية وعدم الرضا عن الذات وفقدان الثقة في المجتمع، بحسب Walker 1999 وهذا ما يمكن أن يستنتج من الخطابات التي يتبناها احتجاج الشارع، حيث يعتبر المحاور (السلطات الحكومية والمؤسساتية والمجموعات التي لها رأي مخالف) طرفا لا يمكن الوثوق به، بل يتوخى الحذر منه، وهو في مرتبة دونية ويستحق أن تلحق به جميع النعوت والأوصاف، لأنه يشكل مصدر المآسي والمشاكل، بل يمكن أن يدخل في خانة دلالية من قبيل "العصابة" و"العياشة" و"العبيد" و"الخونة" و"المرايقية"   و" المخزني " …

من هذه الزاوية، يمكن مقاربة احتجاج الشارع على أساس أنه حلبة للصراع ضد خصم موجود في الضفة الأخرى: ضفة مؤسساتية (الحكومة – السلطات العمومية – الشخصيات السياسية- منظمات المجتمع المدني…)، أوضفة عفوية (كل من هو ضد الاحتجاج أو عنده رأي مخالف كما هو الشأن بالنسبة ل "مول ..." و "مول ..." ...). في هذا السياق، يمكن الاستعانة بأسس نظرية الديمقراطية التصادمية    Démocratie agonistique لـ»شنطال موف» في آخر كتاباتها Le paradoxe démocratique ، والذي توضح فيه أن إخفاقات التجارب الديمقراطية مردها ترددات الديمقراطية الليبرالية التي أسس لها «جون راولز» و»يورغن هابرماس»، والتي تحيل على التوافقات السياسية وتغفل التناقضات العميقة والمشلة( Contradictions ) .  paralysantes  في المقابل، تعتمد الكاتبة على بناء معقد للتعددية الصدامية  (Pluralisme agonistique) المستوحاة من كتابات «فتغانشتاين» و»ديريدا» و»كارل شميت» لإعادة تثبيت النزاع والتصادم كمميزات حيوية ودائمة للديمقراطية الجذرية (Démocratie radicale).

كما أن احتجاج الشارع، هو، كذلك، ميدان للتعبير عن ذكاء المواطنين موجها للدولة ولممثليها وكزاوية للتضامن بين جميع الأطياف المجتمعية. تجدر الإشارة إلى أن خلال العشرية الممتدة من 2009 إلى غاية 2019 استقر عدد الأشكال الاحتجاجية المختلفة بمجموع التراب الوطني في نحو 50 تظاهرة كمعدل يومي.  فإذا كان الاحتجاج يعري بعض الشخوصات السياسية كشكل من أشكال الثقافة المضادة، فلا يمكن مقاربته فقط، من وجهة نظر أمنية صرفة، بل يتوجب، كذلك، التعامل معه من وجهة نظر سياسية لا ترتهن حصريا بالتدابير الأمنية. فالشارع كموقع ديمقراطي يظل فضاءً للاحتجاج، يمكنه احتضان جميع أنواع المحتجين في إطار المواطنة العادلة، التي تقوم على مبادئ احترام التنوع والتعددية ونبذ ثقافة الكراهية والعنف، في أفق تعميق التماسك الاجتماعي وترسيخ العيش المشترك والكرامة الإنسانية وتنمية اقتصادية متكافئة لجميع الفئات والجهات، في احترام تام لدستور المملكة المغربية والمؤسسات ليصبح معه الخروج إلى الشارع تعبيرا عن تمظهرات الوعي المجتمعي والمواطنة المغربية وتمغربيت.

وختاما، يمكن اعتبار احتجاج الشارع فضاءً للمطالبة بالحقوق والجهر بمشاعر الحكرة والتهميش والمظلومية، ومجالا لتقديم واقتراح الحلول، حيث ليست هناك مطالبة بتغيير النظام، بل فقط، محاسبة المسؤولين المباشرين جهويا أو وطنيا، بل إن المطالب تصب في تشجيع حضور قوي وإيجابي للدولة المغربية من خلال إنشاء الجامعات والمستشفيات والمصانع وخلق فرص الشغل والتشغيل وإبداع البدائل التنموية. ففي الوقت الذي لازالت السلطات تبحث عن مخرج للاحتقان الاجتماعي السائد في بعض المناطق، يمكن الإقرار أنَّ احتجاجات السكان وبعض الفئات المجتمعية ستظل قائمة، مادامت الشروط الأساسية أو العناصر الحيوية، للعيش، كالماء، مثلا، غير متوفرة. 

فمن الضروري تباعا التعاطي بالجدّية التدبيرية اللازمة في المشروع التنموي المرتقب مع مسببات الاحتجاجات الاجتماعية، وذلك لأنَّ الاختلال المجتمعي الناتج عن البطالة أو المرض أو الفقر، أو عن عدم توفير المواد الحيوية للمواطنين، يمكن أن يفضي إلى «هَلع جماعي»، وانزلاقات فردية وجماعية مثل الانتحار والسلوكات العنيفة التي قد تؤدّي إلى العصيان المدني والتمرد الشعبي وتصلب مقومات الرابط الاجتماعي والعيش المشترك.