قضايا

نحو نقاش هادئ ومسؤول: حكومة العثماني ألغت التعاقد سنة 2017 .. فماذا سيلغي نزار البركة؟

خالد الصمدي*

ثلاثة قضايا في استجواب السيد نزار بركة الامين العام لحزب الاستقلال مع جريدة "العمق"  في قضية الأساتذة أُطر الاكاديميات لا يختلف حولها عاقل :

1- أهمية استقرار الوضعية الإدارية والمالية للاساتذة  باعتباره مرتكزا أساسيًا لنجاح أي إصلاح لمنظومة التربية والتكوين.

2- استنكار وإدانة أي تدخل عنيف خارج عن القانون لفض الأشكال الاحتجاجية التي يقوم بها الأساتذة  أُطر الاكاديميات.

3- الالتزام بتوقيف العمل مستقبلا بنظام التعاقد  باعتباره وضعية هشة لا تتناسب والاشتغال في مجال التربية والتكوين  إذا ما تصدر  حزبه الانتخابات المقبلة.

- وإذا كان من حق أي حزب أن يكون له طموح تصدر المشهد السياسي  ويتواصل من أجل ذلك مع المواطنين ، إلا أن التزامه بإلغاء التعاقد  كما روجت لذلك بعض وسائل الاعلام إذا ما فاز حزب الاستقلال في الانتخابات القادمة ظلت  فيه مناطق ظل  كان لا بد أن يسلط الضوء عليها تنويرا للرأي العام :

1- أولها أن حكومة الاستاذ عباس الفاسي هي أول من أقرت خيار التوظيف بالتعاقد دون ان تربط ذلك   بالترسيم في أسلاك الإدارة العمومية وذلك بموجب التعديل الذي أدخلته حكومته على قانون الوظيفة العمومية  ونشر بالجريدة الرسمية عدد 2372 / 21-7-  2011،  لأنها أدركت بشكل استباقي الحاجة الكبيرة لتنويع أشكال التوظيف والإمكانات الهامة التي يتيحها التوظيف الجهوي مع توفير ضماناته القانونية.  لذلك استخدم  الاستاذ نزار جملة إيقاف العمل في المستقبل بنظام التعاقد ولم يتحدث عن إلغائه؛ فهو نظام يتم اللجوء إليه عند الاقتضاء.

2- أن تطبيق هذا المبدأ في التوظيف في أسلاك التعليم لجأ اليه  الأستاذ عبد الاله بنكيران  على سبيل الحاجة سنة 2016  معتمدا على السند القانوني السالف ذكره.

3- رغم صدور القانون 07/00 الخاص بالاكاديميات  الجهوية لمهن التربية والتكوين سنة 2000  والذي ينص على اعتبارها مؤسسات عمومية مستقلة ، إلا ان  وزارتي التربية الوطنية في حكومتي ادريس  جطو وعباس الفاسي لم تعمل على إخراج الأنظمة الأساسية لهذه الأكاديميات إلى حيّز الوجود،  مما جعل هذه الاستقلالية معلقة ولا تمكن هذه الوضعية  الأكاديميات من تدبير مواردها  المالية والبشرية.

4- ضغط الحاجة إلى التوظيف لتلبية متطلبات المنظومة بعد أن بلغ الاكتظاظ مداه في جميع المستويات الدراسية  سنوات 2013 وما بعدها ، وعدم  توفر الاكاديميات الجهوية لمهن التربية والتكوين على أنظمة أساسية تمكنها من التوظيف ، جعل حكومة الاستاذ عبد الاله بنكيران تلجأ إلى حلول استعجالية  لحل الإشكال ، فتم الاعتماد على عقود وقعها كل أُطر الفوج  الاول الذي تم توظيفه  سنة  ( 2016)  بعد النجاح في مباريات التوظيف الجهوية التي نظمت لأول مرة ، في انتظار الإعداد  والمصادقة على الأنظمة الأساسية للأكاديميات ، التي تمكنها من الاضطلاع بمهامها كمؤسسات عمومية.

5- في سنة 2017 ، وبعد تنصيب الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور سعد الدين العثماني ، عملت على  إلغاء نظام التعاقد  السابق  وتعوضه بنظام توظيف الأساتذة أُطر الاكاديميات ، وذلك من خلال  الإسراع  بإخراج الأنظمة الأساسية لهذه الاكاديميات حيث أصبح بإمكانها التوظيف جهويا باعتبارها مؤسسات عمومية  تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي كسائر المؤسسات العمومية الموجودة بالعشرات في كل ربوع الوطن.

6- تضمن هذه الأنظمة الأساسية  للأكاديميات المصادق عليها  في مجالسها الإدارية  التي يرأسها الوزير الوصي على القطاع بنفسه المماثلة في الوضعية الإدارية ذات الصِّلة بالترسيم والترقي في المسار المهني بين  الأساتذة أُطر الاكاديميات ونظرائهم في الوظيفة العمومية ، كما تضمن لهم حق  الترشح الى المباريات الإدارية والتربوية التي تفتحها الوزارة ( المناصب الإدارية ،التفتيش ..).

7- وتبقى نقط محددة  ذات الصلة بأنظمة التقاعد والانتقال بين الجهات وإخراج هذه الأنظمة الأساسية  للأكاديميات بموجب مرسوم يضمن لها  التناسق والديمومة والاستمرارية ،

 وهذه النقط  توجد  كيفياتها وصيغها العملية قيد الدراسة،ولم يتنكر لها أحد.

8- للإشارة فالعمل بالتوظيف الجهوي لأطر الأكاديميات مكن من تكوين وتوظيف ما يفوق 100 الف إطار خلال خمس سنوات وهو رقم غير مسبوق  ساهم في التخفيف من حدة البطالة في صفوف حاملي الشهادات، ويتقدم إلى هذه المباراة كل سنة عشرات الآلاف من حاملي الشهادات، و لا يزال زملاؤهم ينتظرون هذه الفرصة ويترقبون لحظة الاعلان عنها بشغف.

9- من جهة ثانية، مكن هذا التوظيف بهذه الوتيرة غير المسبوقة من الالتزام بتعهدات الحكومة  بتقليص الاكتظاظ  في الأقسام الدراسية إلى مادون 36 تلميذ بعد ان كان قد وصل في بعض الاقسام والمستويات إلى 70 تلميذا.

10- سيمكن  هذا التوظيف على المدى المتوسط من تلبية حاجيات المنظومة التربوية في أفق 2028 والمقدر بحوالي 200 ألف إطار  بمعدل 15 إلى 20 الف منصب سنويا،  وهو ما يستحيل توفيره عن طريق نظام الوظيفة العمومية التي كانت تخصص في السابق للقطاع 8 ألف منصب سنويا في الحد الأقصى، والتي لا تغطي حتى نسبة الخصاص الناتج عن  التقاعد!

11- إذا كان الأستاذ نزار بركة يعلم كل هذه التفاصيل فلماذا تغاضى عنها ؟ ولماذا استعمل بدقة عبارة إيقاف العمل بنظام التعاقد ولم يتحدث  عن إلغائه ؟ ولماذا لم يثر معه الصحفي المطلب الوحيد الذي عبر عنه المحتجون والمتمثل في الإدماج في الوظيفة العمومية ليعرف موقفه منه؟

 الجواب : لأنه  بكل بساطة  وهو الخبير بالمالية العمومية، يعلم كل هذه التفاصيل التي لا تقبل المزايدة من أي طرف كان، لذلك لم تخرج  اقتراحاته عن أهمية اعتماد التوظيف الجهوي مع توفير ضمانات الاستقرار الوظيفي وهو ما يلتقي مع ما تعمل الحكومة على مأسسته على أرض الواقع بإجراءات عملية  منذ 2017 !

إن رفض كل تدخل خارج  عن القانون يمس بكرامة الاستاذ ، واستئناف  الحوار لتوطيد المكتسبات ، وبحث كل سبل الإسراع بحل القضايا المتبقية هو ما من شأنه أن  يضمن استقرار المنظومة ، و يصون حق كل التلميذات والتلاميذ في تعليم متكافئ الفرص وموفور الجودة ،  دون ضغوطات  أو مزايدات، أو ترويج لمعطيات غير صحيحة  خاصة  الحديث عن التوظيف المؤقت ، أو شكل ومفهوم التعاقد الذي انتهى  به العمل منذ 2017.

*كاتب الدولة في التعليم العالي والبحث العلمي ( سابقا ).