تحليل

المرتكزات الدستورية للقاسم الانتخابي

أيوبي يونس

بداية تجدر الإشارة إلى مدى أهمية الانتخابات في إطار المسار الديمقراطي والمؤسساتي ببلادنا، فالمغرب تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك عمل على تعزيز الضمانات الدستورية والقانونية المؤطرة للعملية الانتخابية والتي من شأنها ضمان نزاهة وشفافية وحكامة مختلف العمليات  التمهيدية  والعمليات الانتخابية، كما عمل على وضع كل الضمانات السياسية والقانونية والقضائية التي من شأنها تحقيق الغايات الدستورية من الانتخابات.

وفي أفق الاستحقاقات الانتخابية التي ستشهدها المملكة المغربية برسم سنة 2021 والتي ستعرف تجديد مجلس البرلمان ومجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية، فقد تم اعتماد مجموعة من التدابير القانونية في إطار القوانين التنظيمية الجديدة و التي من شأنها ضمان أهداف ذات طبيعة استراتيجية وفي غاية الأهمية، نذكر منها ما يلي:

حكامة الانتخابات

تحقيق العدالة الانتخابية

ضمان التعددية والتمثيلية

جعل الانتخابات أكثر تنافسية

دعم التمثيلية السياسية للنساء

تعزيز الدعم العمومي للأحزاب السياسية

وفي الوقت الذي شهدت فيه هذه القوانين التنظيمية تأييد الأغلبية الساحقة من الأحزاب السياسية من الأغلبية والمعارضة ومن الأحزاب غير الممثلة بالبرلمان، وعلى الرغم من مصادقة البرلمان بالأغلبية المنصوص عليها في الدستور على مجموع التعديلات التي همت القوانين التنظيمية للانتخابات، وفي الوقت الذي يجب فيه احترام نتيجة التصويت وإرادة ممثلي الأمة، فقد خرجت مجموعة من الأصوات التي اعتمدت قاموسا خاصا لتوصيف وانتقاد القاسم الانتخابي المعتمد في انتخاب مجلس النواب.

ورفعا لكل لبس أو غموض بخصوص مدى دستورية القاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، نؤكد على أن الآراء المعارضة للقاسم الانتخابي الجديد هي آراء مردود عليها، وهذا ما تؤكده المرتكزات التالية:

المرتكز الأول: إن  الدستور يسند في الفقرة الثانية من فصله 62 إلى قانون تنظيمي، بيان عدد أعضاء مجلس النواب، ونظام انتخابهم، ومبادئ التقسيم الانتخابي، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحدِّ من الجمع بين الانتدابات، ونظام المنازعات    الانتخابية.

وهذا مايؤكد بأن من المشرع في إطار سلطته التقديرية وضع القواعد القانونية التطبيقية والاجرائية المؤطرة لانتخابات أعضاء مجلس النواب، وهذه القواعد القانونية التطبيقية ليس فيها ما يخالف الدستور.

المرتكز الثاني: إن الدستور نص في الفقرة الأولى من فصله السابع على أن الأحزاب السياسية “تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”، وفي فصله 11 على أن “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي”.

والقاسم الانتخابي الجديد يتوخى حماية هذه المبادئ والغايات والأهداف الدستورية، وذلك حماية للتعددية التي تفترض اعتماد نمط اقتراع غير اقصائي يسمح بتمثيلية مستحقة لجميع الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التشريعية بالوسائل الديمقراطية.

كما أن القاسم الانتخابي الجديد لايمس بشكل مطلق بحرية ونزاهة وشفافية العمليات الانتخابية والتمثيل الديمقراطي.

المرتكز الثالث:  إن القاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها يسعىلتحقيق غاية رئيسية يتوخاها المشرع الدستوري و  تتمثل في تشجيع المواطنين المقيدين في اللوائح الانتخابية على الانخراط في الحياة الوطنية، من خلال المشاركة في الانتخابات، إعمالا لما ينص عليه الدستور في فصله 11 من أن على السلطات العمومية أن تتخذ الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنات والمواطنين.

وطبقا للفصل 11 من الدستور، فمن واجب السلطات العمومية اتخاذ التدابير القانونية التي من شأنها تعزيز وتوسيع مشاركة الناخبات والناخبين، ومن شأن القاسم الانتخابي الجديد تحقيق هذه الغاية، حيث أن التسجيل في اللوائح الانتخابية له قيمة دستورية وقانونية، ومادام سيتم احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية، فإن ذلك سيشكل دافعا وحافزا للمشاركة في التصويت، خصوصا وأن الدستور ينص في الفصل 30 على أن التصويت حق شخصي وواجب وطني.

المرتكز الرابع: طبقا لمقتضيات الدستور، يتمتع المشرع (البرلمان) بسلطة تقديرية في مجال التشريع في نطاق أحكام الدستور،. وطبقا لقرارات القضاء الدستوري ببلادنا ليس من صلاحيات المحكمة الدستورية التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها سبيلا لبلوغ أهداف مقررة في الدستور، طالما أن ذلك لا يخالف أحكام هذا الأخير(قرار المجلس الدستوري رقم 817 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 2011).

المرتكز الخامس: طبقا لأحكام الدستور و مقتضيات القانون التنظيمي المتعلقة بالمحكمة الدستورية، واحتراما لقرارات المحكمة الدستورية التي تلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 134 من الدستور، لايحق لأي سلطة عمومية أو جزب سياسي أو أي جهة أخرى التصريح بعدم دستورية قانون ما خصوصا وأن أعمال المشرع مشمولة بقرينة الدستورية. فالمحكمة الدستورية هي التي لها وحدها دون غيرها الحق في ذلك، وهذا ما أكده قرار المحكمة الدستورية رقم 93.19.

وبناء على ما سبق، واستنادا على أحكام الدستور ، وفي انتظار صدور قرار المحكمة الدستورية المتعلق بالقانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بمجلس النواب، نرى من وجهة نظر دستورية بأن النقاش الذي يشكك في دستوريةالقاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها هو نقاش سياسي يستهدف التأثير في قرارات القضاء الدستوري، وهو نقاش تؤكد عدم صحته مجموع المرتكزات الدستورية السابقة الذكر.