تحليل

المغرب والولايات المتحدة الامريكية.. أفق استراتيجي واعد

نوفل البعمري

كان لافتا تدوينة وزير خارجية بوقادوم التي عمد فيها إلى تحريف مضمون مكالمته مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية التي ادعى فيها أنه ناقش معه نزاع الصحراء "الغربية" بشكل يُناقض الأعراف الدبلوماسية و أخلاقيات عملها، لتخرج تدوينة الخارجية الأمريكية و بيان سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر لتوضيح طبيعة المواضيع التي نوقشت بينهما و كانت منطقة الساحل واحدة من هذه المواضيع، هذه المنطقة التي زيفها وزير خارجية الجزائر ليحولها لمنطقة الصحراء كما زيف نظامه هوية ابراهيم غالي ليضمن إفلاته من العقاب، و هو توضيح جاء ليقطع الطريق على النظام الجزائري الذي حاول التشويش على علاقة المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية التي تمضي قدما، بهدوء نحو تكريس شراكة حقيقية يتداخل فيها السلام بالمنطقة، بالأمن، بدعم الحكم الذاتي، و  بمحاربة الإرهاب هذا ما كشفته المكالمة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره المغربي التي تأتي قُبيل حضور هذا الأخير للإجتماع الهام مع اللجنة الأمريكية  للشؤون العامة الاسرائيلية "أيباك" في 6 ماي المقبل حيث سيكون الأمر عبارة عن حوار سيجرى بين مختلف الأطراف التي يُنتظر أن تناقش مختلف القضايا ذات الاهتمامات الإقليمية و الوطنية المشتركة من السلام في الشرق الأوسط و دور المغرب الكبير فيه، إلى القضايا الحيوية التي تهم المغرب على رأسها القضية الوطنية،و الرهانات الاقتصادية المشتركة في المنطقة.

لقد سبقت مكالمة وزير الخارجية الأمريكي مع وزير الخارجية المغربي عدة خطوات تؤكد  أن الموقف الأمريكي لن يتغير اتجاه المغرب بشكل عام و اتجاه نزاع الصحراء، و يمكن إبراز ثبات  الموقف الأمريكي  من قضية الصحراء في عدة خطوات سبقت خطوة المكالمة الهاتفية التي جرت يوم 30 أبريل، و هي:

1- الندوة الصحفية التي أجراها توني بلينكين وزير خارجية أمريكا في يناير 2021 التي تحدث فيها على الإتفاق الإبراهيمي و قال أنه يحتاج لبعض "التمحيص" لكنه لم يأتي على ذكر الإعلان الثلاثي الموقع بين أمريكا-المغرب و اسرائيل، في إشارة لدعم الإدارة الجديدة لهذا الإعلان بمختلف المواقف المعبر عنها من الدول الموقعة عليه.

2- القرارات التي قام بمراجعتها جو بايدن الرئيس الأمريكي الجديد التي وقعها بمجرد وصوله للبيت الأبيض لم يكن من بينها الإعلان الموقع مع المغرب و لا المرسوم الرئاسي الذي وقعه ترامب الذي اعترف بموجبه بمغربية الصحراء، بل شملت قضايا أخرى.

3- حديث الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية في الندوة الصحفية التي نُظمت في فبراير الماضي، حيث أجاب عند سؤاله عن موقف الإدارة الجديدة من قضية الصحراء، بأنه "لا يوجد أي تحديث، و ما قلناه سابقا لا يزال ساري المفعول"، مضيفا "سيتواصل دعم الأمم المتحدة لانهاء هذا النزاع الذي طال أمده في المغرب" و هنا لابد من الإشارة الي عبارتي "لا تحديث" أي لا تغيير و لا مراجعة للموقف الأمريكي، كما أنه عندما يقول إنهاء هذا النزاع "في المغرب"،فتذكيره بأن النزاع داخل المغرب فهذا تأكيد على أن النزاع يحدث داخل المغرب و داخل الأراضي المغربية "الصحراء"

4- حديث مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط بريت ماكغورك ، قبل  أسبوعين مع بوريطة حيث كان هناك تأكيد على أنه لن يكون هناك أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن الصحراء المغربية، و لا بموقفها من المسلسل السياسي الذي تدعم فيه الإدارة الأمريكية مبادرة الحكم الذاتي، و تنظر إليها كمخرج سياسي لإنهاء هذا النزاع.

بعد هذه المعطيات و المُحددات الأساسية في تكريس تراكم هادئ بين الإدارة الأمريكية الجديدة و المغرب، التي تتقدم خطوة بخطوة و بحوار دائم قد يكون بعضه غير علني من أجل توضيح مختلف المواقف التي قد  تثور حولها بعض الإسئلة خاصة في ظل صدور  بعض التقارير التي قد تكون غير دقيقة تحاول دفع المغرب لاتخاذ موقف انفعالي و هو ما ظل المغرب دبلوماسيا يتفادى الوقوع فيه و يفضح بالمقابل كل هذه المناورات، آخرها تدوينة وزير خارجية الجزائر الذي أراد التشويش على الاتصال الذي سيُجرى بين بلينكين و بوريطة التي لجاءت بعد يوم واحد من توضيح الخارجية الأمريكي الذي قطع الطريق فيها على بوقادوم و على كل من يراهنون على إحداث أي توتر في العلاقة بين البلدين.

فما الذي دار بين بوريطة و بلينكين؟!

المكالمة التي جرت جاءت أولا بعد أيام قليلة من جلسة مجلس الأمن المُغلقة التقنية التي قُدمت فيها إحاطة حول التقدم الميداني و السياسي علاقة بنزاع الصحراء و دعم مختلف الدول الأعضاء الخمسة عشر بمجلس الأمن للأمين العام للأمم المتحدة لمجهوده التي تهدف لإحداث تقدم في العملية السياسية التي ظل المغرب ملتزما بها، و دعمه في تعيين مبعوث جديد للمنطقة بعد تعثر تعيين كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية الروماني الأسبق بيتري رومان، و وزير الخارجية البرتغالي السابق لويس أمادو حيث اعترضت عليهما الدولة الجزائرية و رفضت تعيينهما لأنها لا تنظر بعين الرضى لفكرة استئناف المباحثات السياسية خاصة في ظل الموقف الأمريكي الجديد من النزاع، و هو ما جعل الإدارة الأمريكية تقتنع بضرورة العمل على تعيين مبعوث جديد مع المغرب لأنها تنظر إليه كطرف جدي في هذا النزاع و يمكن الرهان عليه للمضي قدما سياسيا في الملف عكس النظام الجزائري الذي أصبح بعد انهيار دعايته الإعلامية القوية التي خاضها لإقناع المنتظم الدولي بانهيار المسلسل السياسي و عودة المنطقة للنزاع المسلح.

مكالمة بلينكين مع بوريطة لم تكتفي بالتأكيد على العمل مع المغرب لتعيين مبعوث جديد حسب تقارير إعلامية أمريكية موثوقة، بل اتجهت نحو تأكيد هذا الأخير على أنه ليس هناك أي تغيير في الموقف الأمريكي اتجاه مغربية الصحراء، و لن يكون هناك أي تراجع عن الموقف الداعم لمغربية الصحراء، بل يمكن القول أن القضايا التي تضمنها بيان وزارة الخارجية الأمريكية قد يكون أرضية قوية لتكريس هذا الموقف باعتباره موقفا استراتيجيا داخل الإدارة الأمريكية بغض النظر عن الحزب الحاكم، أرضية مرتبطة حسب مضمون المكالمة ب:

قضايا "السلم  و الأمن و الإزدهار في المنطقة" حيث أشاد وزير الخارجية الأمريكي بالدور الحاسم للمغرب في النزاع الليبي الذي احتضن المغرب الحوار الليبي-الليبي و استطاع تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف المتصارعة، كما أكد الوزير على الدور المغربي في الساحل، هذا الساحل الذي يعيش وضعا مقلقا تتزايد حدته بتنامي التهديدات الإرهابية  و تحوله لبؤرة خطيرة تهدد المنطقة ككل، و تأكيد بلينكين على الدور الحاسم للمغرب في الساحل هو اعتراف بالدور المغربي في محاربة الإرهاب و أهمية الحضور المغربي ضمن الدول الخمس الرائدة في محاربة الإرهاب، و عنصر استقرار في المنطقة و هنا يتداخل نزاع الصحراء مع الوضع في الساحل باعتباره واحد من النزاعات التي حولت مخيمات تندوف لخلفية داعمة للإرهاب خاصة بالعنصر البشري في ظل تزايد حالة اليأس و الإحباط داخلها حسب تقارير أممية رسمية.

في المكالمة تمت الإشادة بالإصلاحات السياسية َ المؤسساتية التي قام بها العاهل المغربي محمد السادس منذ اعتلاءه العرش، حيث كان لافتا أن تتضمن المكالمة حسب بيان الخارجية الأمريكي هذه الإشارة أخذا بعين الإعتبار أن المغرب ظل يقوم بإصلاحاته الحقوقية و السياسية بفضل إرادته الداخلية، الحرة و لم تكن ناتجة عن ضغط خارجي كما هو الحال في عدة بلدان، و هو ما دفع بلينكين إلى التنويه بهذه الإصلاحات و التنويه بملك المغرب، و تشجيعه على الإستمرار في هذا المسلسل الإصلاحي الذي يقوده محمد السادس، مشيدا أيضا بجو الاستثمار الذي خلقه المغرب خاصة على مستوى الطاقة المتجددة مُشجعا المغرب "على المساعدة في تعزيز النمو الاقتصادي الأخضر بإفريقيا و التنمية في إفريقيا"مما يبرز رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للدور المغربي إفريقيا بصفته  المدخل الاقتصادي و السياسي نحو هذه القارة و يجعل رهان الولايات المتحدة الأمريكية على المغرب في هذا الباب رهانا قويا، كبيرا و يقوي من الشراكة بينهما.

مكالمة وزير الخارجية الأمريكي مع الوزير المغربي جاءت في توقيت جد مهم، توقيت أجاب فيه على كل التكهنات التي كانت تتحدث عن وجود أزمة في العلاقة بين البلدين، و جاءت لتُغلق باب السيناريوهات حول احتمالية تغيير الولايات المتحدة الأمريكية من موقفها اتجاه مغربية الصحراء الذي أصبح موقفا ثابتا لا مجال لمراجعته و لا لتغييره، لأن الإدارة الأمريكية تعيي أهمية المغرب في المنطقة على عدة مستويات، و تعي جيدا أنه قرار لم يكن معزول بل كان بفعل الدور التاريخي الذي مازال قائما  للمغرب في السلام بالشرق الأوسط وقوة الدبلوماسية التي يقودها محمد السادس، مما جعلها توقع إعلانا للسلام  ثلاثيا تكون جزءا منه و من تفاهماته، و ليس ثنائيا بين المغرب و اسرائيل.