رأي

عبد اللطيف مجدوب: آفة تفريغ الطاقة السلبية بين الأشخاص

نشوء الظاهرة

تعج النظم الاجتماعية والمدنية ؛ ومنذ عصور خلت؛ بظواهر مرضية معقدة ، يزداد اكتشافها في ضوء نتائج البحوث العلمية في مجالات السيكولوجيا والسيكو سوسيولوجيا Social-psychology ، وهي من الوفرة والغموض كلما تشعبت ونمت وسائل التمدن الحضاري أو بالأحرى كلما عظم حجم التجمعات السكانية ، فالإنسان المتواجد ـ على سبيل المثال ـ في مدن طوكيو (ذات الساكنة 37.5 مليون نسمة) أو مدينة ميكسيكو (21.8 م نسمة) خاضع لضغوطات الحياة اليومية تفوق بكثير نظيره في مدينتي إسطنبول (16م نسمة) أو مدينة الدارالبيضاء (3.8م نسمة) ، وبالتالي هناك إفرازات وتبادل شحنات كهرومغناطيسية Electromagnetism بين الأفراد والجماعات، في معظم الاحيان تكون ذات تأثير سلبي أو سالبة للطاقات الإيجابية لدى الآخرين ؛ تتخذ لتفريغها والتنفيس عنها (بحكم أنها طاقة لاشعورية) عدة منافذ وقنوات ؛ إما من خلال تبادل النظرات أو الحديث المباشر أو الاحتكاك بالأيدي ...

وغني عن الإشارة إلى أن كل شخص يمتلك داخل جهازه النفسي طاقة سلبية ؛ اختزنها من خلال تعرضه لضغوطات فوق ما يحتمل ، سواء عبر الازدحام وتوالي سماعه لأبواق السيارات تصك أذنيه ، أو عبر اصطدامه بأسعار بعض المواد الاستهلاكية ، أو تلقيه مكالمة هاتفية مزعجة أو خبرا سيئا... أو من خلال طول انتظاره وولوجه حالة اليأس المطبق . أصحاب هذه الحالات ؛ برأي السيكولوجيا المرضية ؛ هم خزانات لطاقات سلبية هائلة ، منهم من يجد في تعاطي المخدرات والمسكرات متنفسا له، وبالتالي تفريغ طاقاته السلبية لتنتهي به إلى العته أو التدمير الذاتي ، ومنهم من يجد في الآخرين من حوله فرصة لتفريغ شحناته السلبية بالمقارعة تارة والسباب تارة أخرى .

بيد أن موضوعنا يهم شريحة من الناس ؛ في نظر السيكولوجيا؛ هم مصاصو الطاقات Energy sucker وتجريد الآخرين من طاقاتهم الإيجابية وإلحاق الضرر بهم ؛ فكم من شخص شعر بدوار لمجرد النظر إلى شخص بجواره ، وكم من شخص شعر بمغص شديد في خلال جلسة جمعته بشخص آخر ، أو انتابه شعور بالضيق والقلق وهو يتفحص وجه صديق أو قريب .

مصاص الطاقة بين العيَان والعدواني

في هذا السياق ، يجب التمييز بين "العيَان" الذي يتحدد معناه ؛ في الأنثروبولوجية الثقافية العربية ؛ في الشخص الذي يصوب نظراته إلى الآخرين أشبه بسهام سامة يصيب بها من حوله أو من ورد في خاطره ، أما العدواني فهو الذي تتميز سلوكياته تجاه الآخرين بالفضاضة والعنف ؛ تمييزا له عن الحسود الذي يغار من الآخرين ويتمنى زوال نعمتهم ، فمصاص الطاقة الإيجابية ؛ بين هؤلاء جميعاً ؛ هو صاحب طاقة تتسبب له الألم والتوتر والأرق وقلة الإبداع وهبوط في المعنويات ، تضع صاحبها في مكان سيء ، فيبحث عن ضحاياه لامتصاص طاقاتهم الإيجابية والتنفيس عنه .

استدرار الطاقة الإيجابية وتوظيفها

هناك حوافز سيكولوجية ومادية تلجأ إليها بعض المؤسسات الإنتاجية بغرض حث عمالها على مزيد من العطاء والإبداع، وبالتالي الرفع من صادراتها إلى الأسواق ؛ قد تكون هذه الحوافز في شكل علاوات أو ترقيات ؛ كثيراً ما يتنافس عليها الموظفون والمستخدمون ، فهي تشكل لديهم شاحنا (Charger )  يزودهم بمزيد من الطاقة الإيجابية كوقود للتفرغ للعمل الجيد وبكفاءة مهنية عالية ، على أن هناك أشخاصا يعتادون على أنشطة بغرض تحسين طاقتهم الإيجابية وتفريغ طاقتهم السلبية ، كممارسة الرياضة والعوم والقنص ، علاوة على مواظبتهم على ارتياد دور العبادة التي ترفع من منسوب طاقتهم الروحانية ، والتي تتعزز ؛ بمعنى من المعاني ؛ طاقتهم الإيجابية ، بيد أن غشيان الأماكن المزدحمة كالأسواق ومدرجات الملاعب الرياضية والطرقات داخل المدن المكتظة.. كثيراً ما تعتبر ؛ من وجهة خبراء السيكولوجيا ؛ محجات لتفريغ أو امتصاص الطاقات السلبية بين كل من الأفراد والجماعات .