رأي

عزيز لعويسي: الدبلوماسية المتحورة

منذ اندلاع الأزمة “البطوشية” التي أدخلت العلاقات المغربية الإسبانية في أجواء غير مسبوقة من الخلاف والتوتر، برزت معالم “دبلوماسية إسبانية متحورة” متغيرة باستمرار تكاد لا تستقر على حال، حاولت وتحاول الخروج من عنق زجاجة مؤامرة حقيرة أسقطت القناع الإسباني في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، تـارة بإشهار ورقة اتهام المغرب بالدفع بمهاجرين سريين نحو مدينة سبتة المحتلة لابتزاز إسبانيا والاتحاد الأوروبي، وتـارة ثانية بمحاولة توريط الاتحاد الأوروبي في صلب أزمة ثنائية بين بلدين جاريـن لا ناقة له فيها ولا جمـل، وتـارة ثالثة بالتلويـح بإمكانيـة تحويل المدينتيـن المحتلتين إلى منطقتين عسكريتين حفاظا على الأمن القومي الإسباني، وتـارة رابعة بإعطاء الضوء الأخضر للجيـش الإسباني للقيـام بمناورات على بعد أمتار قليلة من الشواطئ المغربية قرب مدينة الحسيمة شمال المملكة، بعد الاستبعـاد من المشاركة في مناورات “الأسد الإفريقي 2021، وتارة خامسة بإشهـار ورقة إدخال المدينتين المحتلتين ضمن منطقة “شينغــن” الأوروبيـة، وتارة سادسة بالسماح بتنظيم مظاهرة وسط مدريد مدعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية بمشاركة أحزاب إسبانية.

آخر تحور دبلوماسي إسباني، جاء على لسـان وزيرة الخارجية الإسبانية، آرانشا غونزاليس لايا، في تصريح صحافـي، من بين ما ورد فيه، تأكيدها على “ثبات موقف بلادها من قضية الصحراء المغربية” و”استعداد إسبانيا للنظـر في أي حل يطرحه المغرب على طاولة المفاوضـات”، وإذا كانت بعض التحاليل السياسية والدبلوماسية قد ربطت تصريح الوزيرة الإسبانية بتغـــير في الموقف الإسباني بناء على ما تلقته الحكومة الإسبانية من ضربات وصفعات دبلوماسية منذ انفجار أزمة “بن بطوش”، نرى أن هذا التصريح لا يمكن إخراجه من دائرة “الدبلوماسية الإسبانية المتحورة” التي دخلت في حالة من اللخبطة والارتباك والارتجال المواقفي، إلى درجة أنهــا باتت أكثـر حرصا على ضبط إيقـاع خرجاتها وزلاتها التي لم تزد الأزمة مع الرباط إلا تعقيدا وتدهـورا، لذلك، فأي تصريح من الحكومة الإسبانية، لن يكون إلا تصريحا فاقدا للثقة والمصداقية، يصعب عليه تذويب جليد الخلافات القائمة بين البلدين الجاريـن وفي طليعتها قضية الصحراء المغربية وملف المدينتين المحتلتين وما يرتبط بهما من جــزر.

لذلك، فهناك “مدخل أساس” لطي صفحة “بن بطوش” التي أسقطت القناع الإسباني، يمـر قطعا عبر اعتـراف إسباني “حقيقي” و”صريح” و”واضح” بمغربية الصحراء، والإيمـان بمنطق المصالح المشتركـة في إطار من التـوازن والاحترام والمصداقيـة، بعيـدا عن عقلية المناورات والاستفزازات والابتزازات، وإذا كانت الوزيرة الإسبانية قد رددت كلمة “تفاوض” في تصريحها الصحافي، فلا تفاوض حول الصحراء المغربية، لأن المغرب حسم القضية منذ المسيرة الخضراء، وإذا كان من تفاوض، فلا بد أن يكون حول سبتة ومليلية والجزر المحتلة، غير هذا، فالمغـرب غير معنـي باعتراف أو عدم اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء، لأن “الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه” رغم أنف الحساد والحاقدين والمتربصين.

وما على الجيران الإسبــان، إلا طـي صفحـة الاستعــلاء والابتــزاز والاستفـزاز، والإقبــال الصريح على فتح صفحة جديدة مع الرباط، مبنيـة على الثقـة والاحــترام والوضوح واحتــرام السيادة وحسن الجـوار والتعاون المشتـرك لما فيه خيـر ومنفعـة للشعبيــن الجارين، وحسـن استيعـاب أن “مغرب اليوم ليــس كمغرب الأمس”، وفي جميــع الحالات، فالحل بيد مدريـد، أما الرباط، فبــات لها أصدقــاء وشركـاء وحلفـاء آخرين خــارج البيت الأوروبـي، وهـي على استعداد لإصــلاح ما أفسدته “الدبلوماسية الإسبانية المتحـورة”، إذا ما اعتـرفت الحكومة الإسبانيـة بالخطيئـة البطوشيـة، وأقدمت علــى مـا يستوجبه ذلك، مـن اعتــذار ومن نيـة صادقـة في تخطـي ما حدث، لبنـاء مستقبل آمـن ومستقر ومزدهــر…