رأي

نجيب طلال: نعي مزدوج لسقـوط مسرحي

من المؤسف وفي زمن التواصل الفوري؛ وإمكانية النشر عبر المواقع الثقافية والإخبارية ؛ لا توظف ولا تستغل أمام وفاة شخص ( ما ) أفنى زهرة عمره في المجال الثقافي والإبداعي والفني؛ مقابل يشهد له أنه كان صادقا مع نفسه ومؤمنا بظروفه ووضعه الاجتماعي؛ وغير متهافت أو انتهازي أو متملق .

فأمام هاته اللامبالاة تتساءل هـل جفـت الأفكار أم جفت الأقلام أم جفـت القلوب ؟ لكن المحير والذي يجعل من التساؤلات ضرب أوهَـام وأضغاث أحلام ليس إلا ! أن بعض المتوفين من المشهد المسرحي والثقافي؛ كانوا مرتزقة بالمعنى الواضح ووصوليين بالمعنى المكشوف وإقصائيين (...). طـُبـِّل وزُمـِّر لهم هـنا وهـناك ؛ عبر المواقع الثقافية والصحف الورقية وفي الفايسبوك؛ والتذكير بتاريخهم المجيد وعطائهم المتفرد ونضالاتهم في المشهد الإبداعي والفكري والفني. إنه نفاق معلـن وانتهازية مؤجله لهؤلاء ( الكتبة) ربما سيتساءل البعض أي هَـدف انتهازي من وراء – ميت- أمسى جثة هامدة ؟ بدون توسع في الموضوع ؛ فالهدف يكمن من وراء ما تركه الشخص المذكور[ مكتبته / أبناؤه المبدعون/ المخرجون/ حزبه/ أسراره/ زوجته  أو ابنه في موقع القرار ( الثقافي/ الفني/ الإعلامي !!)

مقابل كل هـذا ؛  سقطت في غفلة ، أربع ورقات من شجرة المسرحيين بفاس؛ في غضون هذا الشهر:[ عبد العلي بوصفيحة / محمد الدوردي/ محمد فرح العوان/ محمد أنوار] هؤلاء أعطوا من زهرة عمرهم الشيء الكثير؛ رغم بعض الاختلافات في التوجهات والتصورات؛ فلم نجـد مقالات تشفي الغليل؛ عربون عطائهم وتضحياتهم في المجال؛ وهنا لا أنافق نفسي؛ بأن سقوط هؤلاء ظلوا في طي عـدم الإشارة لوفاتهم؛ بالعكس فبعض الإخوة أعلنوا وفاتهم عبر ( الفايسبوك) وهذا جانب غير كاف ، لماذا ؟ فتدوينة [ الفايسبوك] لن توثق تاريخيا؛ ولن تصمد أمام التغيرات والتحولات ؛ فالذي يبقى موثقا ومنشورا مقالة أو دراسة؛ يمكن أن يستأنس بها أي باحث عن فعاليات مسرحية بمدينة ( فاس) أو غيرها من مدن المملكة.

فدوافع هاته الكتابة؛ تكسير اللامبالاة وغياب قـلم ( ما ) يخرج من سباته ؛ ليغطس رؤوس أقلامه في محبرة تحمل مدادا نورانيا؛ ينير به الآخرين لما قدمه الرحيل عنا من تضحيات ومحطات فاعلة في ممارسته ؛ باعتبار أن التدوين / الكتابة  الرصينة للممارسة الفنية والإبداعية ليست في حقيقة الأمر نعْـيا لسقوط مسرحي؛ بل هي تضامن مطلق مع التاريخ  وإنصاف صاحبه أمام الأجيال اللاحقة ؛ وإن كانت القراءة شبه منعـدمة في وطننا العربي؛ وليس المغربي وحْـده. وبالتالي فمن بين الأربعة رحمهم الله ؛ والذين لم ينالوا حظهم حتى في النعي الفايسبوكي ؛ الفنان قيد حياته [ عبد العالي بوصفيحة ] و [ محمد أنوار] بحيث كلاهما انغمسا في الميدان المسرحي ؛ من بداية السبعينات من القرن الماضي؛ فالأول انضم لجمعية الإتحاد الفني؛ والثاني لجمعية المسرح الشعبي؛ إلا أن وجه  الاختلاف  فالراحل ( بوصفيحة) ابتدأ ممثلا و(محمد أنوار) ديكوراتورا وخطاطا؛ وفي نفس الوقت ملقن لأدوار بعض أعضاء الجمعية ؛ وذلك لعَـدم معرفتهم الكتابة؛ ولكن كانوا يقرؤون  ويحفظون أدوارهم إلا بالسماع كالمرحوم ( ادريس الفيلالي ) الملقب بشويكة و( أحمد البوراشدي) وعبد الرحيم الأزرق و( المكي الإدريسي) لكن بعض العناصر انفصلت عن المسرح الشعبي ؛ لتؤسس جمعية الكواكب؛ التي التحق بها الراحل (محمد أنوار ) والتي قدمت له مسرحية ( دار لقمان سنة 1976) وهنا وقع له تحول إبداعي رهيب؛ حينما انغمس في عملية التأليف إبان مرافقة – الزجال والمسرحي- ادريس العطار – ادريس الجاي-  وهذا الأخير لماذا تحَـدث نعْـيا عبر موقع ( ... ) في حق ( محمد فراح العوان) ؟ ولم يدل بشهادة حق في ( عبد العالي بوصفيحة / محمد أنوار)  ولاسيما أنهما كانوا أصدقاء  وشاركا  معه في مسرحية ( دار بوعلي) التي ظل يحلم بها ( الجاي) ببساطة المسألة تتعلق  بمـا تركه الشخص المذكور. وبناء عليه يلتق الراحلين في عمل ( الدقة سنة 1981) من إخراج وتشخيص ( محمد أنوار) بعْـدما أسسا جمعية (مشاعل الوحدة) للمسرح والموسيقى. لكن ظروف الوظيفة فرضت أن يتم تعيين الراحل ( بوصفيحة) أستاذا بمدينة تازة؛ ويلتحق بجمعية اللواء المسرحي؛ بحيث كل أعمالها كان مشاركا  فيها بقوة ؛ ولا أنسى دوره في مسرحية (  النزيف) للراحل ( محمد مسكين) في المهرجان الوطني لمسرح الهواة في( دورته 24 ) بالرباط  ؛ إذ أعطى أقصى ما عنده في دور [ دمياط] حتى فقد صوته لأسابيع عدة. أما ( محمد أنوار)  ففي مسرحية ( الخرطال) التي كتبها وأخرجها للمشاركة في المهرجان التضامني سنة 1982 رفقة جمعية ( مشاعل الوحدة) أبان عن طاقة إبداعية مخزونة بين دروب المدينة القديمة؛ رغم أنه كان يمارس تكسير الحدود بين المدينة القديمة / الجديدة التي كانت تضم  تجمعات المسرحيين وقتئذ، وبعد هذا العمل ؛ شاء القدر أن يدمج في مندوبية الشؤون الثقافية كخطاط ؛ ويعود لتدبير شأن جمعية المسرح الشعبي ؛ رفقة الراحل قيد حياته [ عبد العزيز الجعفري] ليعيدا إنتاج مسرحية '(مدينة الحماق)' و(دار بوعلي) و(عودة بودلير) لإدريس العطار؛ ففي سياق هاته الإنتاجيات المعادة ، ستصبح الفنانة ( سميرة نبيل) زوجته  إلى يوم رحيله. والتي لم يعترف أحد بعطائها وتضحياتها الجسام في أغلب التظاهرات المسرحية ؛ولم تحظ ولو بالتفاتة من لدن الأصدقاء(( المسرحيين)) نفس الإشكالية مع  ( بوصفيحة ) فبعودته لمدينة فاس؛ قام بتأسيس جمعية (أصدقاء تيمد ) ليحاول إنتاج مسرحية ( الزغننة) لكن  حورب بشتى الأشكال ؟ وهذا واقع لا يمكن أن نتجاوزه لكي لا نخون ذاكرة التاريخ . والأسباب تكمن في إحياء الراحل ( تيمد) وكذا مشاركته في بعض المسلسلات المغربية والسورية وبعض الأفلام الأجنبية؛ نفس الصفعة تلقاها الراحل ( محمد أنوار) بعدما رفض إقحام المسرح الشعبي ضمن صف ( الاحتراف) لضمان قوة نقابة الفنانين في البداية ؛ بحيث التزم بالحياد والتشبث بقناعته كموظف تابع لوزارة الثقافة . والعجيب أن كلا الراحلين لم ينخرطا في أية نقابة مهنية، وهنا يكمن سـر اللامبالاة بسقوط ورقة مسرحي من شجرة الإبداع ( الفاسي) و عَـدم تجنيد الكتائب النقابية لتصفيف صفحات المراثي بحلة مناقب الأنوار الملائكية ؛ والتهاليل الصوفية  في حقهما وحق الراحل محمد الدوردي، بالطريقة التي تليق بتضحياته وكفاحه في مجال المسرح والكراكيز والدمى ونحته في صخر البقاء جوانية المشهد المسرحي؛ عبر التوثيق الذي لم يكتب له أن يرى النور؛ لأن الطرق والمسالك والسبل ظلمات في متاهات ومنعرجات في ظلمات ؟