قضايا

تقرير مصير ام شيء من عصير؟...

عز الدين بونيت

ما الذي قام به المغرب بالضبط في علاقته مع الجزائر؟ هناك تعبير عامي مغربي يلخص الامر بدقة، في نظري: العصير.

هل اعترف المغرب أخيرا بحق الشعب القبائلي في تقرير مصيره؟ هل انخرط في منطق التجزئة الذي يرعاه النظام الجزائري منذ ما يقرب من نصف قرن، في علاقته بالمغرب؟ هذا ما فهمه كثير ممن علقوا على مضمون المذكرة التوضيحية التي بعث بها ممثل المغرب الدائم في الامم المتحدة الى رئيس وأعضاء مجموعة دول عدم الانحياز، ردا على مضمون كلمة وموقف وزير خارجية الجزائر، اثناء اجتماع وزاري لهذه المجموعة.

من الواضح ان معظم التعاليق والردود التي وردت في الموضوع، داخل المغرب وخارجه، لم تطلع على المذكرة المغربية بدقة، ولم تأخذ علما بفحواها الا من خلال العناوين العريضة التي تداولتها الصحافة، دون تمحيص.

ماذا ورد بالتدقيق في المذكرة؟  المغرب لم يقل ابدا انه يساند اي جمهورية اخرى فوق التراب الجزائري، غير الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.. بل إنه لم يذكر اطلاقا كلمة جمهورية، لا عند حديثه عن الجزائر، ولا عند إشارته الى شعب القبائل.. وهذا له مدلول ديبلوماسي واضح.. ولذلك، لا يستقيم ان نحمل الموقف المغربي اكثر مما يحتمل، فنساهم بذلك في تغليط الرأي العام في الجزائر، وهو ما يبحث عنه حكام ذلك البلد.

أقصى ما قاله السفير المغربي هو ان هناك فوق تراب الجزائر مجموعة بشرية تعتبر نفسها شعبا قائما بذاته، له تعبيره السياسي، وتطالب بحقها في تقرير المصير، بغض النظر عن شكل هذا المصير او مضمونه النهائي ومؤداه. المهم هو ان هذه المجموعة البشرية موجودة، وترفع هذا المطلب. وهذا يعلمه الجميع داخل الجزائر وخارجها. ولكن النظام الجزائري ينكر عليها حقها هذا ويصنف المعبرين السياسيين عنها في خانة الارهاب. ليس المغرب من خلق الماك، وليس هو من يطالب لها بحق تقرير المصير،  كما فعل النظام الجزائري وما زال يفعل منذ 46 عاما، مع انفصاليي المغرب.

المغرب لم يعترف بأي جمهورية اخرى على التراب الجزائري، ولم يتجاوز حد تذكير حكام الجزائر بمبادئهم المزعومة، وبأن مساندتهم لحق الشعوب في تقرير مصيرها لا ينبغي ان تظل مقتصرة فقط على "الشعب الصحراوي"، بل ينبغي ان تعممها السلطات الجزائرية على كل من يعتبر نفسه شعبا قائما بذاته، فوق ترابها أولا ، وعلى رأسهم الشعب القبائلي البطل (ونعت البطولة الوارد في مذكرة السفير، ليس تكرما من المغرب على تلك المجموعة، وانما هو مستعار من قاموس الديبلوماسية الجزائرية نفسها، التي دأبت على استعماله في حديثها عن الدولة الوهمية و"شعبها" التي تؤويها فوق ترابها، وتمولها وتسلحها وتتفاوض معها وترسم الحدود الى غير ذلك من الأفعال المعاكسة لإرادة الصحراويين المغاربة الوحدويين، الموجودين فعلا فوق ارضهم المغربية). 

موقف المغرب مع وحدة دولة الجزائر لم يتغير، ولا أظنه سيتغير؛ تماما كما لم يتغير موقف الجزائر ضد وحدة التراب المغربي. كل ما قاله المندوب المغربي هو ان النظام الجزائري الذي يتشدق بالدفاع المبدئي عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، ويبرر به مضايقة المغرب طيلة 46 عاما، عليه ان يطبق المبدأ ذاته مع جزء من شعبه يطالب بتقرير المصير. اما المغرب فلم يعترف باي مبدأ ولم ينكر اي مبدأ، لأن الامر لا يخصه. المغرب لم يعبر عن اي موقف. هو فقط ذكر الجزائريين بضرورة اعمال دفاعهم " المبدئي" عن حقوق الشعوب، إعمالا كاملا غير منقوص.

اظن ان عددا من المعلقين، لا سيما من المغرب، لم يقدروا ما ورد في المذكرة في حدود حجمه الحقيقي، فانساقوا وراء التشويهات المغرضة لمضمون المذكرة من طرف نظام العسكر الجزائري وأبواقه الدعائية، والتي سعت الى التغطية على الحرج الديبلوماسي/ السياسي،  الذي يسببه لحكام الجزائر، جراء فضح تهافت ادعاءاتهم "المبدئية".  وهكذا قرأنا آراء وتعليقات متبرمة  منه، صدرت عن المغاربة المؤمنين بضرورة الوحدة المغاربية،  وقرأنا تعليقات رافضة تعتبره خطوة خاطئة وغير محسوبة العواقب؛ ورأينا من تحمس له وطفق يستعمل هذا الحماس في تأجيج خطاب الحقد والكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري.

المغاربة على الاجمال وحدويون، ولا يمكن إلا ان يكونوا مع جزائر موحدة قوية، متحررة من قبضة الطغمة المتحكمة في سيادتها، وقادرة على تقرير مصيرها ومشاركة في بناء الوحدة المغاربية بصدق طوية وتطلع حاسم نحو المستقبل.